المسيرات المليونية التي عرفتها الجزائر خلال “خمس جمعات”، أسقطت “العهدة الخامسة” في البداية، ستكون مستقبلا “وثيقة مهمة” في وسائل الإعلام والجامعات والقضاء والمحاماة والمساجد، وعند الطبقة السياسية، موالاة ومعارضة، وحتى عند الأجانب، يستلهمون منها العبر والدروس والتجارب والمواعظ، فلن يختلف اثنان، أنها كانت نموذجا ل “الثورة السلمية” وعيّنة نادرة لمجتمع صنع الاستثناء والتميّز في الحرب والسلم! لم يستعب العالم ببلدانه “المتحضّرة” و”الديمقراطية” و”المفترسة”، ما أنتجه الجزائريون طوال خمس جمعات، كانت خالدة بسلميتها ووعيها ونضجها ورقيها وحضاريتها، وقد عبّرت مختلف الشعارات واليافطات المرفوعة، هذا المثال الذي يجب تدريسه في جامعات تلك الدول التي كانت تتباهى وتحاول تصدير تجاربها إلى بلدان العالم الثالث والمستعمرات القديمة! لقد ردّ الجزائريون على تلك التهم المعلّبة التي أراد المزيّفون والمروّجون إلصاقها بهم على مرّ السنوات، فهاهي الجزائر التي صنعت معجزة اسمها الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، وصنعت معجزة أخرى في مسارها بانتصارها لوحدها على أخطبوط الإرهاب خلال سنوات “المأساة الوطنية” في التسعينيات، هاهي الآن تصنع معجزة جديدة، اسمها مسيرات مليونية بلا عنف ولا تكسير ولا تخريب ولا إساءة! ما لم يحدث في دول عربية وغربية، كان بعضها يدّعي زورا وبهتانا، أنها مهد الحضارة والرقيّ و”الفهامة”، حدث في جزائر وجّهت صفعة لهؤلاء، ورسالة لأولئك، تؤكد فيهما، أن أبناءها هم فعلا وقولا وعملا، ورثوا جيلا بعد جيل، التميّز والسبق والحصرية في صناعة جزائرية، لا هي شرقية ولا غربية، وإنما جزائرية أبا عن جدّ! ليس المُراد هنا، التغنّي والغناء، لكن الهدف هو التأكيد، بأن هناك لبنة “ماد إين ألجيريا”، عجينتها النقية، الثوابت الوطنية، كمبدأ غير قابل للتنازل أو التفاوض، ووحدة شعبية لا تقبل التفريق أو التدقيق، وثورة خالدة يستنبط من بيانها المسار والقرار والاختيار والخيار، الذي إن تمّ إتباعه لن يظلّ أحدا، وستبقى الجزائر واقفة شامخة بقوّة أولادها وكبريائهم وإبداعهم في التغيير! لا فخر، ولا مزايدة، إن أصبح الجزائري حاملا بالداخل والخارج، لنماذجه الناجحة والاستثنائية، التي دوّخت المستعرضين لعضلاتهم، ودفعتهم دفعا إلى الاعتراف والتراجع عن تقييمهم الخاطئ والمتسرّع، بعدما شاهدوا وعايشوا حراكا سلميا لا يحدث بشكله ومضمونه وألوانه وبدايته ومنتهاه، إلاّ في جزائر تتحرّر، لكنها لم ولن تتكرّر!