فَرِحَ بانتصارنا الكروي الفلسطينيون، كما كانوا يفرحون دوما بانتصارنا العسكري والسياسي على مستعمِر الأمس، وكنا سنفرح بانتصار نيجيريا وغيرها من البلدان باعتبار أننا كنا ومازلنا جميعا ضحايا نفس الاستعمار الذي سلَّط علينا نفس الأدوات ونفس الاضطهاد. وفرح بانتصارنا أيضا أشقاؤنا في كل البلاد العربية كما كانوا قد فرحوا يوم انتصرت الثورة الجزائرية.. بل وفرح كل أحرار العالم معنا في المناسبتين.. ونريدهم اليوم أن يفرحوا بتجربتنا السياسية ونحن ننتقل بثبات نحو حكم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.. كما صنعناها تجربة كروية مثيرة للإعجاب، بصمت وهدوء.. نريد أن نصنعها تجربة سياسية كذلك، بصمت وهدوء.. يتحد الجميع، وتنمحي الفوارق، وتُرفع راية الوطن عالية، ويُعزف لها النشيد الوطني.. وذلك ممكنٌ في السياسة كما كان ممكنا في كرة القدم. ليس فقط بالنسبة للشعب الجزائري بل لكافة الشعوب المضطهَدة في العالم. هل مَنعت الحواجزُ المصطنَعة أهل المغرب كما أهل المشرق من الفرح معنا بالانتصار في الكرة؟ هل منعت القلوب من أن تتآلف مشرقا ومغربا؟ ألم تكشف لنا الرياضة زيف مثل هذه الحواجز بين أبناء الوطن الواحد، وزيفها بين أبناء الأمة الواحدة؟ بل ألم تؤكد لنا الرياضة وجود الشعور الواحد والإحساس المشترك، ليس فقط بين الجزائريين داخل الوطن وخارجه، بل بينهم وجميع أشقائهم وأصدقائهم مشرقا ومغربا؟ ألا يكفي هذا لنراجع أخطاء سلوكنا السياسي ونُصحِّح افتراضاتنا السياسية الزائفة؟ – أن ليس هناك جزائريون أقلَّ من الآخرين وطنية وحبا للوطن. – وليس هناك جزائريون أقل من الآخرين تمسكا بالراية الوطنية. – وليس هناك خلافٌ بين الجزائريين وبقية الشعوب العربية والإسلامية. – وليس هناك اعترافٌ شعبي بالحواجز الحدودية المصطنَعة الفاصلة بينهم منذ الحقبة الاستعمارية، بل هناك وحدة وتضامن إلى درجة أن الفرح كان في الرباط كما كان في غزة وبغداد وكافة العواصم العربية والإسلامية. ألم يتبيَّن لنا بوضوح أن كل ما في الأمر أننا نعيش تضليلا إعلاميا كبيرا غير بريء في الداخل وفي الخارج، وأننا نتعرَّض لتعبئةٍ سلبية للرأي العام هدفها خلق العداوة بين أبناء البلد الواحد قبل زرعها بين الأشقاء والأصدقاء، وخلق حالة ضغط نفسي رهيب لإعداد مجتمعاتنا للانفجار؟ ألم تكشف لنا الانتصارات الكروية الأخيرة زيف الكثير من المعارك المتعلقة بوحدة الشعوب، ووحدة الشعور بالانتماء للوطن، والانتماء لنفس الفضاء الثقافي والحضاري، ووحدة المصير أيضا؟ لقد كشفت لنا ذلك بحق، وأكدت لنا مرة أخرى أن كرة القدم هذه اللعبة الشعبية الجميلة، لا تخلو أبدا من السياسة، ولا تبخل عنا بأهداف في المرمى السياسي، وعلينا الاستثمار فيها بعيدا عن أي تشنُّج أو يأس بأننا لا يمكن أن نجد “باء” جديدة في السياسة كما وجدناها في الرياضة… باء الرياضة صنعت فريقا يحقق الانتصارات مع “بلماضي” .. لِمَ لا نتمكن من ذلك في السياسة؟