بدأت ملامح خارطة سياسية جديدة تلوح في الأفق منبثقة عن الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر منذ 22 فيفري المنصرم، حيث تقزمت مكانة أحزاب السلطة ممثلة في “الأفلان والأرندي، الأمبيا، تاج”، وتراجعت مرتبة المعارضة التي لم يكن لها دور مقنع في الحراك الشعبي، في حين طفت إلى السطح أحزاب كانت توصف ب “الطفيلية” في مرحلة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومنظمات شبابية صنعت لنفسها وجودا دعمته وسائل التواصل الاجتماعي. يرى محللون سياسيون أن “الحراك الشعبي كشف وعرى أحزاب المعارضة والمولاة معا، وأبان عن محدودية دورها في المجتمع والهوة التي تفصلها عن الشعب”، وهو الأمر الذي من شأنه أن يغير الخارطة السياسية في المستقبل لاسيما أن أحزاب المعارضة والموالاة على حد سواء أحالها الحراك الشعبي على التقاعد المبكر. وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي توفيق بوقاعدة، في تصريح ل”الشروق”، إن الأحزاب السياسية التقليدية في البلاد تعيش اليوم أصعب مراحلها، ففي حال فشل الحراك الشعبي ستخسر رضا السلطة، وبالتالي لن يكون لها مكانة مستقبلا إذا تم تمرير المسار السياسي الحالي،كما أنها تخشى من نجاح الحراك الشعبي الذي سيفقدها جمهورها وقاعدتها الشعبية لاسيما الأوفياء لها. ويرى توفيق بوقاعدة أن الوضع الراهن الذي تعيشه البلاد منذ 22 فيفري الفارط غيب الأحزاب الكبرى وساهم في فتح المجال أمام “طفيليات”حزبية تسعى للعب دور لا تستحقه، وهذا بفعل السلطة التي وجدت في هؤلاء نوعا من المبررات من أجل المضي في المسار السياسي الذي تريده، لكن العبرة بالنتائج، فهذه الأحزاب لا يمكن أن تقدم خدمات للسلطة من أجل تمرير مشروعها، فهي تناقش نفسها والأصل في الحوار-يضيف المتحدث- هو تقريب وجهات النظر المختلفة بين الفرقاء السياسيين على وجهة توافقية على أساسها يمكن الذهاب نحو انتخابات رئاسية،”لكن ما يحدث في لجنة الوساطة والحوار التي يقودها كريم يونس،معاكس للواقعفهي تحاور أشخاصا يتبنون نفس أفكار السلطة دون تقديم رؤية سياسية يمكنها أن تجذب الأطراف المناوئة لها”. وحسب المحلل السياسي، فإن الأحزاب التقليدية في البلاد، تعيش بين نارين “نار السلطة وإملاءاتها وتهديداتها وإغراءاتها”، ونار الحراك الشعبي الذي يرفض كل جهة تحاول الالتفاف على مطالبه، لذلك يمكن أن نقول إن أحزاب الموالاة اليوم هي في وضع غير طبيعي تشهد فيه العديد من الانقسامات، ونجاحها مرتبط بنجاح مشروع السلطة الحالية، خاصة أن هذه الأخيرة في حاجة إلى هذه الأحزاب التي تحوز وعاء انتخابيا مهما. أما بالنسبة للمعارضة، فيرى توفيق بوقاعدة أنه من الصعوبة الحكم على مدى مصداقية شعبيتها مادمت الانتخاباتالرئاسية لم تجر، وبالتاليلا يمكن التكهن بصعودها أو نزولها أو بقائها في الساحة السياسية، خاصة أن الحراك الشعبي يرفض كل الأحزاب السياسية التي يحملها مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد اليوم. في حين توقعأستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر بقاء أحزاب”الإدارة”، كما وصفها، لأن هذه الأخيرة لا تخضع إلى معايير حول طبيعة الشخص الذي سيأتي على رأس السلطة، فوظيفتها هي مساندة وتأييد من يصل إلى الكرسي مهما كانت طبيعته، كما أن هذه الأحزاب-حسب المتحدث- لديها وعاء انتخابي من داخل الإدارة يقودها أصحاب المنافعوالمنتفعون من كل المراحل. فالمشهد السياسي- يضيفالمتحدث- مشوه، فلا يمكنالحكم عليه، والمسار الطبيعي في هذه الحالة هو أن نتجه نحو انتخابات رئاسية وبعدها تشريعية. هذه الأخيرة التي تعد المحطة الحقيقة للأحزاب السياسية من أجل إعادة ترتيب أوراقها وهيكلة الساحة السياسية من جديد. المحلل السياسي والمختص في الدستور عامر رخيلة: الحراك الشعبي “عرى” الطبقة السياسية في البلاد يرى المحلل السياسي والخبير الدستوري عامر رخيلة، في تصريح ل”الشروق” أن الأحداث التي عرفتها البلاد خلال 6 أشهر الأخيرة، أكدت أن الجزائر لا تملك طبقة سياسية حقيقية، والموجودون في الساحة الوطنية مجرد أشخاص يلتفون حول حزب سياسي، البعض منهم يبدي الولاء للسلطة التنفيذية على غرار أحزاب الموالاة “الآفلان، الأرندي، تاج، والأمبيا”، بالإضافة إلى توابعها من الأحزاب الذين ظهروا مؤخرا في أعقاب الحراك الشعبي. وبالنسبة للأحزاب المتخندقة في صف المعارضة فقد ظهرت على حقيقتها يضيف – عامر رخيلة- بفعل الحراك الشعبي والأحداث الأخيرة التي “عرتها” وقلصت نشاطها فالمفروض أن كل عمل ضد السلطة تتبناه المعارضة ولا تقف بعيدا عنه، قائلا “المعارضة وجدت نفسها لا هي مؤيدة للحراك ولا هي معادية للسلطة السياسية في البلاد”، لذلك نقول إن أحزاب المعارضة والموالاة على حد سواء أحيلت على التقاعد المسبق بفعل الحراك الشعبي، فالأحداث الأخيرة همشتها ودفعتها لتكون في صف الجمهور المتفرج، رغم محاولة بعض الحزيبات ركوب موجة المطالب الشعبية غير أن ردكالية الحراك الشعبي وقوته لم تسمحا لهؤلاء بأن يقودوه، قائلا: “الحراك جاء بدفع سياسي قوي، إلا أن الأحزاب السياسية لم تتعود على قوة هذه المطالب”، حيث كانت في وقت سابق تكتفي بالضغط على السلطة للحصول على مكاسب، وعرفت حينها لدى الشعب بأنها أحزاب تطالب فقط ولا تملك قوة الاقتراح”، الأمر الذي جعلها تتيه وسط الأحداث الأخيرة فلا هي مع السلطة السياسية ولا مع الحراك الشعبي يضيف المتحدث. وبخصوص الأحزاب السياسية التي طفت على الساحة مؤخرا، قال المحلل السياسي والخبير الدستوري إن هدفها هو تقديم نفسها كبديل سياسي من خلال محاورتها لسلطة ومطالبتها برحيل الحكومة متهما هؤلاء بعرقلة الحوار لأن هذا الأخير لا يصب في مصلحتها ولا يتماشى مع مخططاتها، داعيا مؤسسة الجيش إلى التدخل والإسراع في إيجاد حل، مصرحا: “اليوم مؤسسة الجيش بدأت تسمي الأشياء بمسمياتها وعليها تحمل المسؤولية وتدعو المواطنين إلى انتخابات رئاسية في أسابيع معلومة لتتجنب بذلك ما يعرف بمراحل الانتقالية التي لن تجلب الخير للبلاد”. القيادي في الآفلان أبو الفضل بعجي : الانتخابات المقبلة ستكون امتحانا حقيقيا للطبقة السياسية قال القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني أبو الفضل بعجي في تصريح ل” الشروق” إن الأحداث الأخيرة التي عرفتها الجزائر بعد حراك 22 فيفري الفارط ساهمت إلى حد بعيد في تغيير الخارطة السياسية في البلاد، هذه الأخيرة التي ستتضح أكثر بعد تنظيم انتخابات تشريعية تحدد من خلالها موازين قوة الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة الوطنية . بالمقابل، رد أبو الفضل بعجي على الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية التي تتهجم على أحزاب الموالاة وخص بالذكر حزب جبهة التحرير الوطني، حيث دعاها لتقديم البديل وإقناع الشعب بهم، بدل استعمال المنابر للتهجم على الآفلان، مضيفا أن الانتخابات التشريعية المقبلة هي الفرصة الوحيدة لتثبت الطبقة السياسية مدى قدرتها على إقناع الجزائريين والعمل سيكون فقط في الميدان قائلا: “بدل التهجم على الأحزاب السياسية تقدموا للميدان وأقنعوا الشعب”. ويرى القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني ضرورة أن يؤطر الحراك الشعبي، ويكون لهذا الأخير ممثلون عنه، فبقاؤه من دون تأطير يساهم في فتح المجال أمام الدخلاء الراغبين في اقتناص الفرص والحديث باسمه، معترفا في نفس الوقت بوجود أزمة سياسية حقيقية متعددة الأوجه تواجه الأحزاب السياسية يتحمل مسؤولياتها الأشخاص والرجال الذين وضع فيهم المناضلون ثقتهم ضاربا بذلك مثالا عن حزب جبهة التحرير الوطني . المكلف بالإعلام في حركة “عزم” حسام حمزة: كل من تورط مع رموز النظام السابق سيزول يرى عضو الأمانة العامة في حركة “عزم” حسام حمزة، أن الحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر قبل 6 أشهر كشف حقيقة الأحزاب السياسية في البلاد سواء معارضة أو موالاة، “فلا واحدا من هؤلاء أدى دوره تجاه الحراك الشعبي الذي كان ولا يزال صوت الشعب”. وتوقع حسام حمزة، تغيرا في الخارطة السياسية في البلاد بعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، شرط أن تكون نزيهة والكلمة الأخيرة للصندوق الذي سيعبر عن إرادة الشعب الذي قال كلمته في احتجاجات 22 فيفري الفارط. حيث قال عضو الأمانة العام لحركة “عزم” في تصريح ل”الشروق” إن الحراك الشعبي كشف حقيقة الأحزاب السياسية سواء معارضة أو موالاة التي لم تؤد دورها تجاه الشعب، لأن هذه الأحزاب – حسب المتحدث- لم تكن سوى آلة تستعمل في يد جهات ما إن سقطت حتى انكشفت أمام الجزائريين فكل من حزبي السلطة الآفلان والارندي تم تجنيدهم لصالح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وما إن سقط هذا الأخير ومعه رموز هذا النظام حتى تهاوت هي الأخرى، وأصبحت اليوم دون غطاء سياسي، قائلا: “الأكيد أن هذه الأحزاب ستزول يوما لأنها كانت في خدمة الدولة وليس الشعب وهمها المصالح وكوطة المجالس الشعبية المحلية”، لذلك استعملتها السلطة كأداة لتخاطب بها الرأي العام الوطني والدولي . وحسب حسام حمزة، فإن أحزاب المعارضة هي الأخرى متورطة مع النظام السابق، ولم تقدم شيئا للحراك الشعبي فالجميع – حسبه- يعلم كيف تعاملت بعض قيادات الأحزاب السياسية المحسوبة على المعارضة مع رموز النظام السابق والتقت مع جهات لا تخدم المشروع الوطني فهي كانت تعبر عن فئة معينة ومنطقة خاصة من الجزائر وبتالي هي فاقدة لشرعية وبقاؤها في الساحة مرتبط بمدى قدرتها على التعبئة الشعبية، مضيفا “الصندوق هو الوحيد القادر على تحديد الخارطة السياسية للبلاد مستقبلا.. وإذا أردنا أن نشهد حجم التغيير ما علينا سوى الذهاب نحو تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة تعبر عن إرادة الشعب في التشريعيات المقبلة ستقدم لنا طبقة سياسية جديدة مختلفة عن كل الوجوه الموجودة “، وسيكون لمعايير النزاهة دور كبير في تحقيق ذلك فلا مجال لاستعمال المال الفاسد في العملية الانتخابية، وإن تحققت هذه الشروط – يضيف المتحدث- سنشهد ميلاد نخبة جديدة سوف تسمح بظهور كيانات سياسية من شأنها أن تعيد الطبقة السياسية لحجمها الطبيعي، خاصة تلك التي كانت تعتبر نفسها تمتلك الأغلبية بما فيها أحزاب المعارضة”.