أَقْرَأَنَا أحدُ أساتذتنا– ونحنُ فتية أغرار لم نخبر الدنيا ولم نُجَرّب الناس- بيتا من الشعر يقول فيه صاحبُه: لقد هَزُلت حتى بدا من هُزالِها كُلاها، وحتَّى سامها كلُّ مُفلِسِ لم يعلق بذاكرتي اسمُ صاحب هذا البيت إن كان معروفا، ولا أذكر من شرح أستاذنا لهذا البيت، إلا أن شخصا كانت له دابَّة أراد بيعها، وكانت شديدة الهُزال والضعف حتى التصق بطنُها بظهرها، وحتَّى بدا ما بطن من أعضائها، ما شجّع كثيرا من الناس– بمن فيهم أفلسُ المفلسين- على مساومة صاحب تلك الدابّة. لقد أنساني تداولُ الأيام وعجائبُها هذا البيت، وما ذكّرني به إلا مشاهدتي لهذا “الحشد” الذي هروَل إلى نادي الصنوبر لسحب استمارات الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية “وما أدراك ما الرئاسة”– بتعبير سي بوتفليقة، عندما كان يستخفّ بمن كانت عنده “قابلية الاستخفاف” من الأبرار والأشرار والأغرار.. لقد رأينا في هذا الحشد– كما رأينا منذ 2004- “نماذج بشرية” بتعبير الأستاذ أحمد رضا حوحو لا تصلح لا للعادة ولا للعبادة، ولا يمكن ائتمانُها على “صَرْعُوفَة” من البهائم.. إن مجرد تفكير بعض أولئك الحشد في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية دليلٌ على استهانتهم بذلك المنصب وبالشعب الذي يتمنُّون رئاسته، وهم لا يستأهلون حتى خدمته. إنه ما جرَّأَ هذه “النماذجَ البشرية” على الاستهانة بهذا المنصب وبتلك المسئولية إلا ما سَنَّه مَنْ وَلِيَ هذا الأمر طيلة عشرين سنة من “سُنَنٍ سيئة” عليه وِزْرُها ووِزْرُ من اسْتَنَّ بها، إلى درجة استقبال مطربين ومطربات، ورؤساء بلديات من فرنسا، وتوديعهم إلى باب الرئاسة.. لا يظننّ ظانٌّ أنه، وإن امتلك “دكتوراه”، أو أصدر “ديوانا شعريا”، أو كتب “رواية”، هو أهلٌ لمنصب رئيس جمهورية، فالأمر فصلٌ وما هو بالهزل، ولو أدرك هؤلاء المتهافتون واللاهثون خطورة المسؤولية وثِقل الأمانة لَوَلَّوْا منها فرارًا، ولو قُدِّم لهم هذا المنصب على طبق من ذهب. إن بعض هؤلاء المتهافتين يترشحون في كل استحقاق ولكنهم لا ينالون حتى أصوات أنفسهم، ومع ذلك فلا يزالون يخوضون مع الخائضين، ويلعبون مع اللاعبين. رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، ولم يكن سببا في شتمها ولعنها، ولخسرانُ الآخرة أكبر إن كنتم مؤمنين، ولهذا الأمر مقدِّرين.