قد يعيش المسلم في دول المهجر لاسيما الدول الغربية منها طوال سنوات حياته ،إلا أن رغبته الجامحة في العودة إلى وطنه لا تفارقه أبدا وإن عاد إليه جثة هامدة يكفيه فقط أن يدفن بين ذويه ويضمه تراب بلاده الطاهر وهذا حال أكثر من 80 بالمائة من موتى المسلمين في فرنسا. ينقل سنويا مابين 75 إلى 80 بالمائة من الموتى المسلمين في فرنسا إلى بلدانهم الأصلية لدفنهم هناك، وفقا لإحصائيات قدمتها وزارة الداخلية الفرنسية، وذلك في ظل نقص المدافن المقسمة بحسب الطوائف وحظر حرق الجثث في الإسلام وبسبب غلاء تكاليف الدفن التي تفوق تكاليف نقل الجثمان إلى البلد الأم. ففي العام 2011، نقلت جثامين أكثر من 2300 شخص متوفى من فرنسا إلى المغرب، بالاضافة إلى مئات الجثامين الأخرى التي نقلت إلى تونس والجزائر، بحسب ما أفادت البعثات الدبلوماسية لهذه الدول. ويرغب المسلمون في دفن موتاهم في مقابر تراعي الطقوس الجنائزية كتوجيه رأس الميت في اتجاه مدينة مكة، حيث الكعبة،أما ياسين شايب، صاحب كتاب "المهاجر والموت"، فيرى أن خيار نقل جثمان المتوفى الى بلده الام هو حاليا الخيار البديهي، ولا سيما في ظل النقص في المقابر الإسلامية في فرنسا التي لا تعدو حسب تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية 200 مقبرة، وبحسب ياسين شايب، فإن العائلات المسلمة، وإن وجدت مكانا لدفن الميت في فرنسا، قد تعود وتتخلى عن هذا الاحتمال بسبب عدم وجود ضمانات حول عدم فتح القبر في أجل لاحق لسبب او لآخر، إذ أن المسلمين يفضلون ألا تنبش القبور بعد ردم التراب على الميت . وفي فرنسا، يستطيع الفرد بيع مساحات لمدة عشر سنوات او ثلاثين او خمسين سنة، لكن بعد انقضاء هذه المدة يجري حرق الرفات، وهو ما يعتبره المسلمون مخالفا لشريعتهم. . ويبقى هناك احتمال اخير، وهو ان تكون مساحة الدفن نهائية، وهو امر ممكن في بعض المناطق لكنه مكلف جدا، اذ ان تكلفته تتجاوز ثلاثة الاف يورو في بعض المناطق . وازاء هذه الاعتبارات، يجد الكثيرون انفسهم امام خيار وحيد أقل كلفة وأكثر بساطة، ألا وهو نقل جثمان المتوفى الى بلده الام . ويقول سليم عامر وهو مدير مؤسسة تعنى بدفن الموتى ان "كلفة الدفن في فرنسا اكبر من كلفة نقل الجثمان". فنقل جثمان الميت الى المغرب العربي يكلف ما بين 2500 و3000 يورو، إلا أن السلطات التونسية تتكفل بدفع هذه التكاليف عندما يتعلق الأمر برعاياها. أما اولئك الذين يختارون ان يدفنوا في فرنسا، فانهم بذلك يتخذون موقفا رمزيا، اذ ان "اختيار المثوى الاخير يتصل بالهوية التي يتبناها الانسان"، وفقا لياسين.