محمد يعقوبي كل ما قالته حماس، حول "الإنقلابيين" داخل فتح، حقيقة وواقع سيشهده العالم منذ تشكيل حكومة هنية، لكن لا شيء يبرر أبدا لحماس إدخال غزة في أتون حرب أهلية وإرغام الناس على أن يعيشوا حربا غير مفهومة لا في أبعادها ولا في المستفيدين منها. وكل المعطيات الميدانية تعطي الرئيس عباس حق وصلاحية وقف التدهور الأمني والعودة إلى شرعية المؤسسات، لكن لا أحد يمكن أن يفهم ويقبل قرارات الرجل الأول في السلطة الفلسطينية بحل حكومة حماس وإعلان غزة إقليما متمرّدا وإدخال البلاد في نفق مظلم غير محسوب العواقب. ما قامت به حماس يشبه، إلى حدّ ما، ما قام به ذلك الدب عندما "دهس" رأس صاحبه بصخرة كبيرة من أجل أن يحميه من ذبابة حطت على جبهته، فحماس التي عهدها العام والخاص معتدلة في خطابها وممارستها ظهرت هذه المرة بصورة متطرّفة في الدفاع عن الحق الذي يساندها فيه أغلب الأحرار في العالم. فمن أجل القضاء على "كمشة" من العملاء، تكاد القضية الفلسطينية تفقد شرفها وسمعتها في قلوب الملايين من أحرار العالم، بدليل أن الجميع أصيبوا بالقرف وهم يشاهدون الإقتتال الفلسطيني الداخلي، لمبرّرات مهما كانت ملحة، لن ترقى إلى تبرير الإقتتال واستباحة أموال وأعراض وأرواح الناس. أما ما قام وأقدم عليه الرئيس محمود عباس بإقالته حكومة هنية غير عابئ بعواقب هكذا قرارات متطرفة ومنحازة لفصيل ضد الآخر، فتشبه إلى حدّ ما سلوك طبيب فاشل ترك دماغ مريضه ينزف وراح يجري له عملية دقيقة على القلب، فلا هو أنقذ دماغ مريضه ولا هو حافظ على صحة باقي الجسد!؟ قرارات عباس، بدت غير مسؤولة تماما مثل "التطهير" الذي قامت به حماس في غزة، لأن الطرفين لم يحسبا عواقب الأمور مع شعب جرّب كل أنواع الأزمات والحروب والكوارث ويعيش أقسى مرحلة في حياته، ورغم ذلك لم يرحمه أبناؤه الذين يفتحون عليه هذه الأيام أبواب جهنم ويعطون إسرائيل أكثر من مبرّر للمداهمة والهيمنة والقمع. حماس لم تنتصر في غزّة ولم تنهزم في الضفة، وفتح لم تنته في غزة ولم تتغول في الضفة، والمعادلة أصلا لا تحسب هكذا، لأن الطرفين انهزما في غزّة والضفة وحطما كبرياء شعبهما وانتصرت إسرائيل بما لم تنتظره ولم تخطط له.