قال المتحدث الرسمي للجيش الليبي بحكومة الوفاق الشرعية، العقيد محمد قنونو، إن الجزائر مستهدفة من ما اسماه “محور الشر العربي”، وأكد في هذا الحوار مع “الشروق”، أن أمن الجزائر من أمن ليبيا، ويتحدث كذلك عن الأسباب التي فت رئيس حكومة الوفاق فائز السارج الدعوة إلى تعزيز الاتفاقية الأمنية بين البلدين. ويعدد المسؤول العسكري الرفيع في الجيش الليبي الشرعي، الخسائر البشرية والمادية التي خلفها عدوان حفتر على العاصمة طرابلس، ويفصل في الدعم الأجنبي الذي يلقاه حفتر في عمليته العسكرية لإسقاط الحكومة الشرعية، كما يدافع عن الاتفاقية الأمنية الموقعة تركيا. كيف يمكن إجمال الأوضاع الميدانية في العاصمة طرابلس؟ والمناطق الواقعة تحت سيطرتكم؟ تواجه العاصمة الليبية طرابلس هجوما منذ الرابع من أفريل الماضي، يتصدر واجهته عسكري سابق، يدعى خليفة حفتر، سبق وأن قاد الجيش الليبي في ثمانينيات القرن الماضي لغزو تشاد، وهزم، ووقع في الأسر. أنقذت السي آي إيه “حفتر” من الأسر، ومنحته الجنسية الأمريكية وإقامة في فرجينيا، حتى قامت ثورة السابع عشر من فبراير في ليبيا، فنزل في بنغازي، وحاول تصدر المشهد فلم يفلح. في 2014م أعلن حفتر انقلابا على الشرعية جمّد بموجبه الإعلان الدستوري، لكن محاولته أحبطت وفر من طرابلس، بعدها بأربعة أشهر وجد مناصرين له من قبائل المنطقة الشرقية، وكرر المحاولة في بنغازي بدعوى محاربة الإرهاب، ونجح بالحصول على دعم من الإمارات ومصر، وسيطر على المنطقة الشرقية. وفيما الليبيون يستعدون لإقامة ملتقى وطني جامع برعاية الأممالمتحدة في أفريل 2019م، اجتاحت جحافل تابعة لحفتر مناطق جنوبطرابلس، وأعلن في بيان متلفز عملية الفتح المبين الانقلابية، وحاول اقتحام طرابلس عنوة. أعلنت الحكومة النفير العاجل، ولبى الليبيون النداء، وأوقفوا زحف حفتر في محيط العاصمة طرابلس، بعد أن كان دخل المطار القديم وعددا من المواقع، ومنذ ذلك اليوم وعلى اتساع ثمانية أشهر لم يتمكن من التقدم، إلا في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر حيث كسب على الأرض ما يقرب من 500 متر، بتدخل الطيران الإماراتي والدبابات المصرية والمدرعات الأردنية، ومقاتلي الفاغنر الروسية وجنجاويد والعدل والمساواة السودانية والمعارضة التشادية، وقليل من الليبيين الساقطين في درس التاريخ.. هذه الحقائق يمكنكم الاطلاع عليها من مصدر محايد وهو تقرير فريق خبراء الأممالمتحدة الصادر في ديسمبر 2019. غير أنه قبل ذلك فقد قواعد انطلاقه في غريان حيث غرفة عملياته الرئيسية المدعومة بضباط فرنسيين – هذه المعلومة أيضا يمكنكم التأكد منها من وزارة الدفاع التونسية التي ضبطت عددا من الفرنسيين أثناء هروبهم عبر الحدود الليبية التونسية – وغرفة عمليات أخرى في اسبيعة حيث غنمتها قوات الجيش الليبي وعادت بها إلى العاصمة. وخسر مناطق العزيزية والسواني وعين زارة. وأخيرا خسر الخمسمائة متر التي كسبها على الأرض في معارك هي الأشرس منذ بدء الغزو. الآن بلغت الخسائر مبلغا كبيرا خاصة في صفوف المدنيين، حيث قتل ما يقرب من 300 مدنيا، أكثر من نصفهم نتيجة الغارات الجوية، ووفق أرقام المفوضية السامية لحقوق الإنسان فقد سجلت 61 هجوما على المرافق الطبية، قتل فيها 12 من الأطباء والأطقم المساعدة بالإضافة إلى إصابات أخرى، ونزح من مناطق الاشتباكات ما يقرب من 350 ألف نازح. نحن أمام جرائم يندى لها الجبين ولن نستكين حتى نقدم كل المتورطين إلى العدالة. هل باتت قوات حفتر قريبة من العاصمة طرابلس. خاصة وأن وسائل إعلام مقربة منه تقول إنه سيطر على مطار طرابلس الدولي، وعلى تخوم العاصمة؟ قوات حفتر باتت بعيدة عن العاصمة أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الغزو، نقول “الغزو” لأن القوات المهاجمة يمثل الأجانب فيها الأغلبية العددية كما يديرون غرف السيطرة والعمليات، والدعم اللوجستي – نعيد الإشارة هنا لتقارير فريق خبراء الأممالمتحدة – أما بعدهم عن طرابلس، فليست المسافة وحدها من يقول ذلك، فنحن نقرأ الميدان بكل أبعاده، ونعلم أن المعطيات السياسية تؤكد نفس الكلام، والروح المعنوية لأتباعه في الحضيض، حتى إنهم صاروا يلجؤون للتضليل وفبركة الصور لإقناع جمهورهم أنهم لازالوا صامدين. كما نشاهد في الوقت نفسه الإصرار في عيون مقاتلينا، وهم أكثر إصرارا على دحر المعتدي وبسط الدولة لسيطرتها على كامل التراب. تحدثت عن المطار القديم -وهو معطل من خمس سنوات- فقد تمركزت فيه قوة منذ بداية الهجوم، وأعلنت ولاءها للانقلابيين، لكنهم محاصرون من ثلاث جهات الآن، ولن يكون أمامهم إلا طريق واحد للخروج باتجاه خارج طرابلس، وما تأجيل موضوع المطار إلا حفاظا على ما تبقى فيه من مرافق، ولعدم أهميته الاستراتيجية على سير المعارك في الوقت الحالي. أين تتواجد قوات حفتر؟ وهل لها القدرة على دخول العاصمة كما تعول عليه؟ قوات حفتر تتمركز حاليا في ترهونة، وقصر بن غشير، وهي مواقع دفاعية لها، غير أنها تحاول أن تخلق لها جيبا باتجاه طرابلس باتجاه معسكر اليرموك، ، وشنت منها بدعم الطيران المسير والحربي عدة هجمات لاختراق دفاعات طرابلس وباءت بالفشل، ووضعت حاليا في موقع الدفاع بدل الهجوم. ليست المرة الأولى التي يحاول فيها حفتر دخول العاصمة طرابلس ولكنه يفشل، ما السبب في ذلك؟ المحاولات عديدة منذ مطلع أفريل كما أشرنا، ويذكر هنا أنه أعلن ساعة الصفر أربع مرات على فترات متباعدة، وهي الساعة التي تعلن لمرة واحدة عادة في أدبيات الحرب، لكن الصمود على أسوار طرابلس، جعل منه مسخرة لوسائل الإعلام ومواقع التواصل، حتى من أتباعه. أثارت الاتفاقية الأمنية الموقعة بين حكومة الوفاق ونظيرتها التركية الكثير من اللغط، ماذا تعني هذه الاتفاقية؟ وهل الجيش الليبي غير قادر على مواجهة قوات حفتر حتى يطلب الدعم التركي، وإن كانت قوات حفتر مدعومة من قوى أجنبية؟ وقَعت حكومة الوفاق الوطني الليبية مذكرتي تفاهم مع جمهورية تركيا، الأولى تتعلق بترسيم الحدود البحرية، وقد أثارت زوبعة من الانتقادات، خاصة من اليونان وإيطاليا والكيان الصهيوني ولكل أسبابه، ثم مصر التي تراجعت عن موقفها لاحقا.. أنصار حفتر في ليبيا لا يملكون من أمرهم شيء، والدليل مهاجمتهم للاتفاقية رغم أنها أمنت لليبيا حقوقا كانت ضائعة! والمذكرة الأخرى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، وجاء في تفاصيلها تدريب القوات الليبية، ومساعدة ليبيا في تأمين حدودها والدفاع عن نفسها، وهو أمر لا يعجب الدول المعتدية، والتي تحاول تنصيب حفتر رئيسا بعد إسقاط الحكومة الشرعية، وقد سخرت هذه الدول إعلامها لمهاجمة الاتفاق الليبي التركي، فهو دون شك سيحبط مساعيها للهيمنة على ليبيا، وجعلها تابعا لها. أما عن الدعم المقدم لحفتر، فهو أكبر من أن يخفى، وقد فصله تقرير لفريق من خبراء مجلس الأمن الدولي، نشر في ديسمبر 2019، تحدث عن تلقي حفتر لدعم من مصر والإمارات والسعودية والأردن والسودان، ومن مجموعات مسلحة تشادية، ومن شركة أمنية روسية مقربة من بوتن. بالإضافة إلى الدعم الفرنسي الذي كشفت عنهم غرفة عمليات غريان بعد بسط الحكومة لسيطرتها عليها. متمثلا في صواريخ جافلين الأمريكية وضباط المخابرات الذين كانوا يديرون غرفة العمليات الرئيسية في المنطقة الغربية من ليبيا. وبالنسبة لقدرات الجيش الليبي، الذي تأسس في التاسع من أوت 1952، فقد دمر بشكل مؤلم في حرب على الجارة تشاد ثمانينات القرن الماضي، وبقيادة حفتر نفسه، الذي قاده إلى أسوأ هزيمة في تاريخه عام 1987 بمعركة وادي الدوم الشهيرة. ولم يعد لليبيا جيش منظم منذ ذلك العهد، حتى قرر القذافي في أواخر عهده بناء “كتائب أمنية” تحل مكان الجيش، لكنه لم يكمل بناءها حتى أسقط نظامه في 2011، فغدت ليبيا ببقايا جيش، يحتاج إلى تطوير وتحديث كما ونوعا. وفيما الجهود متعثرة في هذا الاتجاه تمكن حفتر من شق صف الجيش، واستقطب كثيرين إلى صفه لمشاركته في هذا التمرد، مما أضعف كثير جيش ليبيا النظامي. إضافة إلى حظر الأسلحة على ليبيا المفروض من قبل مجلس الأمن، وتدمير دفاعاته الجوية في 2011، وتقادم آلياته العسكرية، لذا طلبت الحكومة الليبية من الدول الصديقة تفعيل اتفاقات الدفاع المشترك، واستجابت تركيا. أليست الاتفاقية مؤشر على استباحة الأرض الليبية كما يقول خصومكم في شرق البلاد؟ أولا خصومنا ليسوا سكان شرق البلاد، إنما مجموعة انقلابية، تتخذ من شرق البلاد قاعدة انطلاق لها بعد أن أخضعته بالحديد والنار، للسيطرة على البلاد وإعادتها للحكم الشمولي. أما بخصوص الاتفاقية، فهي لا تتعدى اتفاقية أمنية كما يجري بين دول العالم، والأمثلة أكثر من أن تحصى، فهل التعاون الأمني والعسكري بين دولتين يستبيح أرض إحداهما للأخرى؟ الواقع أن ما يزعج المنتقدين هو فشل مخططاتهم، خاصة وهم من فتح البلاد على مصراعيها لشذاذ الآفاق والمرتزقة من كل جنس ولون ودين، وتقارير مجلس الأمن تشهد. ونضيف بأن الاتفاقية مع تركيا وقعت من قبل الحكومة المعترف بها دوليا، وبشكل علني، ونشرت بإمكان الجميع الاطلاع عليها، في الوقت الذي لا نعلم ما الذي وقع عليه حفتر مع الروس على ظهر حاملة الطائرات الروسية “أدميراال كوزنيتسوف” عندما حطت قبالة السواحل الليبية قادمة من سوريا عام 2017! حديث كثير يتداول عن وجود مرتزقة يقاتلون إلى جانب قوات حفتر، ما حقيقة هذه المعلومات، ومن أي جنسيات هم؟ رغم أني أجبت عن هذا السؤال من قبل لكن إليك تفاصيل أخرى من واقع تقرير لفريق الخبراء بمجلس الأمن الدولي، وهو طرف محايد، وقد أشار من الصفحة الأولى إلى استعانة حفتر بالمرتزقة. يقول التقرير: رصد الفريق فصائل جاءت من السودان وتشاد، ففي يناير 2019 استجلب حفتر مرتزقة من جيش تحرير السودان فصيل عبدالواحد، ومكن له من التوغل جنوب ليبيا. ثم جاء بمائتي مرتزق بقيادة “كرجكولا” إلى واو الناموس، ثم 300 مرتزق من جناح “مناوي” بقيادة “جابر إسحاق” إلى منطقة الجفرة وسط ليبيا. وأتى بخمسمائة، ثم سبعمائة مرتزق بقيادة “الطاهر حجر” ليحرسوا له سبها أكبر مدن الجنوب، ومرزق العاصمة الثقافية لمكوّن التبو، وأم الأرانب. وجلب كذلك 1000 مرتزق من الجنجويد تابعون لحميدتي، لمهمة حماية البنى الحيوية لحفتر في الهلال النفطي. وأضاف -نفس التقرير- أنه جاء ب 700 مرتزق بقيادة “مهدي علي” ووضعهم في الجفرة أيضا. بالإضافة إلى ما ذكره التقرير، فقد قبضت قواتنا على العشرات من المرتزقة من تشاد والسودان والنيجر. ومؤخرا تمكنا من اختراق صفوفهم والحصول على تسجيلات فيديو للمرتزقة التابعين لشركة فاغنر، وهم من أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة. لنؤكد التقارير الصحفية السابقة التي رفع بعضها العدد إلى خانة الآلاف من هذه الشركة بالذات. وماذا عن الدعم العسكري الأجنبي الذي يتلقاه حفتر؟ هل من دلائل يمكن تقديمها في هذا الخصوص؟ وكيف يصح في الأذهان شيء.. إذا احتاج النهار إلى دليل؟ الآليات التي يحارب بها حفتر والذخائر بعضها صنع في 2019، وهي تظهر يوميا على الشاشات، وقد استحوذنا على الكثير منها، مدرعات إماراتية وأردنية وطيران صيني وذخيرة مصرية، وأسلحة فرنسية، وغيرها، لكن دعني أذهب بك إلى مصدر محايد وهو تقرير الخبراء نفسه. ففي 8 ديسمبر 2019 أصدر فريق خبراء الأممالمتحدة تقريرهم حول ليبيا، وتحدث عن 13 نوع من الدعم العسكري الذي تلقاه حفتر: مدرعات مشاة طراز المارد، مدرعات مدافع طراز Mbombe من الأردن. ومن الأردن أيضا مركبات مشاة مقاتلة طراز 60- Ratel، ومركبات رباعية الدفع طراز الوحش. وأمدت الإمارات حفتر بمركبات ضد الألغام طراز Caiman، وناقلة أفراد ناقلة أفراد طرازf9 Panthera، و مقذوف ليزري عيار 155 ملم طراز GP6، و منظومة صواريخ أرض جو طراز 1-S Pantsir، منظومة صواريخ ارض – جو طراز MIM-23 Hawk، وطائرات وينق لونغ صينية الصنع. ودعمت فرنسا حفتر بصواريخ جافلين (قذائف طراز Javelin 148- FGM، وهي التي استحوذت عليها قواتنا في غريان لاحقا. كما تحصل على ناقلة أفراد طراز Irigiri من نيجيريا، ومنظومة صواريخ 32 RPG-طراز نشاب وهي أردنية روسية. السيد فائز السراج، كان قد دعا دولا بعينها لتفعيل الاتفاقيات الأمنية مع الحكومة وخص الجزائر، لماذا؟ بين ليبيا والجزائر تاريخ نضالي مشترك طويل، أطول من الحدود الجغرافية المشتركة بينهما، والجزائر كدولة فاعلة في المنطقة، وقد تكون مستهدفة هي الأخرى من قبل من نسميهم “محور الشر العربي”، بل إن حفتر ذاته هدد العام الماضي بنقل الحرب إلى الجزائر في تصريح أهوج، وحسنا فعلت الجزائر بتجاهله، ولحسن الطالع فهناك اتفاقيات أمنية موقعة بين الدولتين مسبقا تحتاج فقط إلى إعادة تفعيل، فنحن نواجه المخاطر نفسها، من الإرهاب، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، والجريمة العابرة للحدود، فأمننا من أمن الجزائر وأمنها من أمننا، كما تجمعنا منظمات دولية وإقليمية، ولن يكون لأحد الحق في الاحتجاج على علاقتنا مع دولة جارة وشقيقة. هل هناك تنسيق أمني مع الجهات المختصة في الجزائر، وماذا عن الحدود المشتركة بين البلدين؟ الذي أعلمه أن وزير الداخلية قد زار الجزائر المدة الماضية، وأجرى معهم محادثات حول التدريب لعناصر الأمن الليبية، وأبدت الجزائر استعدادها لمد يد العون. ولست على اطلاع كامل على ما جرى، لكن أظن أن تأمين الحدود المشتركة قد كان من ضمن المحادثات نفسها.