لا يُمكن لموقف الجزائر الرسمي والشعبي، إلاّ أن يكون إلى الأبد “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، وها هو موقفها مما سمّي زورا وبهتانا ب”صفقة القرن”، يعكس المبدأ الخالد للجزائريين، غير القابل للتنازل أو التفاوض بأيّ شكل من الأشكال، وفي أيّ ظرف من الظروف! لقد قالها “الموسطاش” الراحل هواري بومدين “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، وهي المقولة الخالدة التي مازالت إلى اليوم سارية التنفيذ والمفعول، علما ان القضية الفلسطينية هي واحدة من القضايا التي لا يختلف فيها اثنان في الجزائر، فمن الأعلى إلى الأسفل، من الرئيس إلى الوزراء والأحزاب والمنظمات الجماهيرية ومختلف الفعاليات، كلّ الجزائريين يقفون مع فلسطين ظالمة أو مظلومة! هكذا هي الجزائر، تقف مع القضايا العادلة وقضايا التحرّر، دون أن تنتظر جزاء ولا شكورا، ورغم “المشاكل” التي تسببت فيها مواقفها، إلاّ أن التاريخ القديم والمعاصر يشهد لها بأنها ظلت صامدة ثابتة، لم تخنع ولم تركع إلاّ لله، وهي إلى اليوم من البلدان القليلة التي ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وترفض جملة وتفصيلا فتح سفارة لإسرائيل فوق أراضيها الطاهرة المسقية بدماء مليون ونصف مليون شهيد! فلسطين تسكن كل لسان جزائري، في السياسة والاقتصاد وفي النشاط الجمعوي والطلابي، وفي الحراك، والشوارع وفي التظاهرات الرياضية بالملاعب وغيرها، كلّ الألسن تصرخ وتردّ بلا تردّد كلمة واحدة موحدة لا تقبل القسمة على اثنين: “فلسطين الشهداء”! الجزائريون يتذكّرون جيّدا القصة التاريخية الخالدة عندما قال الفاتح صلاح الدين الأيوبي بعد تهديد “الفرنجة” بالعودة إلى القدس، قال وهو يخاطب رفاقه: اطمئنوا لن يعودوا مادمنا رجالا.. لكن للأسف، لأن جزءا كبيرا من العرب والمسلمين لم يعودوا رجالا، “ضاعت” القدس، أو تكاد، بعد ما باع بعض الخانعين والمستسلمين والمتخاذلين والخوّافين فلسطين بالدولار.. فيا للعار! لقد قالها الزعيم هواري بومدين قبيل الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، مخاطبا العسكريين الجزائريين البواسل المتوجهين إلى ساحة القتال: أنتم ذاهبون للنصر، وعندما انهزم العرب في حربهم مع إسرائيل، لم يستسلم الجزائريون، فقال الهواري: لم ننهزم، لأننا لم نستعمل كل قواتنا البشرية والعسكرية! هكذا هم الرجال، لا يستسلمون، ينتصرون أو يستشهدون، ولذلك لا يُمكن انتظار موقف آخر، غير هذه المواقف المستمرّة وغير المتغيّرة، فالأرض التي قامت فوقها “الدولة الفلسطينية”، ومنها انطلقت رائعة “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، لا يُمكنها إلاّ أن تبقى إلى أبد الآبدين نموذجا في المقاومة ومثالا رائعا في التحدّي والتصدّي، ومرآة عاكسة للشعوب المكافحة التي تقدّم نفسها ونفيسها دفاعا عن الأرض والعرض، جهادا في سبيل الله.