الخطاب الذي وجهه الرئيس عبد المجيد تبون، للسادة الولاة وبحضور الوزراء ورؤساء الدوائر والأميار ورؤساء المجالس الولائية، يعكس قولا وعملا الواقع المرّ الذي يعيشه المواطنون، خاصة في الجزائر العميقة، ولعلّ التشخيص الذي سلط عليه الرئيس الضوء، هو نفسه التشخيص الذي يوجع "الزوالية" منذ عدة سنوات، دون أن يجد طريقا إلى الحلّ بسبب أسلوب "الهفّ والفستي" الذي تحوّل إلى لسان حال المسؤولين! رئيس الجمهورية، أمر ووبّخ، و"بهدل" الممارسات المؤلمة، وتوعّد بمعاقبة المتورطين والمتواطئين، وقال بالفمّ المليان إنه لا حماية للرشوة، مهما كان المتورط، ودعا الولاة ومن معهم إلى وقف سياسة الوعود الكاذبة، والوقوف على انشغالات المواطنين في زيارات للعمل والتفتيش، بدل البهرجة "الزرد" و"الوعدات" التي لا تسمن ولا تغني من جوع! دون شك، هدا ما يريد أغلب الجزائريين سماعه، وقد قالها الرئيس صراحة، ودون لفّ ولا دوران، والباقي الآن على المنفذين، أن يشمّروا على سواعدهم، خاصة بعد ما امرهم بالاعتماد على الكفاءات عوض الموالاة، وفي هذا، رسالة تطمين أخرى، إلى جمع المواطنين المخلصين والمثابرين والمتألمين، من أجل بناء الجزائر الجديدة! الأكيد، أن دور المواطن اليوم، ليس السبات والاستسلام، وإنما مساعدة رئيسه وكلّ الخيّرين، في مهمة إنجاح التغيير بالتي هي أحسن، وبالطرق السلمية والحضارية، وقد يتمّ ذلك، بممارسة دور الحراسة والمراقبة والتبليغ والمتابعة اللصيقة للوالي ورئيس الدائرة والمير والمدير التنفيذي، حتى لا تتكرّر الأخطاء والخطايا والمهازل والفضائح التي أبكت الصادقين من المتوجّعين! الروبورتاجات الواقعية المبكية، التي شاهدها ضيوف قصر الأمم بمحمية نادي الصنوبر، ليست مفبركة ولا أفلام سينمائية ولا أوجاع مهرّبة أو مستوردة من هنا أو هناك، وإنما هي جزء من يوميات جزائريين يتعذبون ويدفعون الفواتير ب"الثاني والمثني"، على مرآى الولاة ورؤساء الدوائر والأميار والنواب والمنتخبين، دون أن يتحرّك هؤلاء المسؤولين، إلا ربما قليلهم من أجل تغيير ما أمكن تغييره، فأحيانا العين بصيرة واليد قصيرة! من المفروض، وقد قالها الرئيس، أن الحراك الشعبي السلمي، أسقط عهدا بائدا، وسنوات من البريكولاج و"الصابوطاج" والتهميش و"الحقرة" والإقصاء و"الجموفوتيست"، وهو ما يضع كلّ المسؤولين بين أنياب الأسد، إمّا أنهم يتعظون ويعتبرون، وإمّا أنهم يثبتون بأنهم "بلهاء" يستحقون العقاب والتأديب والجلد، إلاّ لمن فهم الدرس! لا يُمكن للتغيير أن ينجح، ولن تقوم "الجزائر الجديدة"، ما لم يخف الولاة والمنتخبون المحليون الله، ويغيّروا ما بأنفسهم حتى يغيّر الله ما بالجزائر العميقة من ظلم وظلمات ومفاسد أهلكت الحرث والأرض لسنوات طويلة بسبب "التعنتير" والتكسير!