خصمان ما كان لهما أن يلتقيا، وقد قررا من قبل إبادة أحدهما للآخر، حرب احتدمت بينهما استمرت 18 عاما، حصدت خسائر بشرية ومادية لا تعد ولا تحصى، دون حسم مرتجى في الأفق القريب. أدرك الخصمان أن أحدهما لن ينتصر على الآخر، في حرب استنزاف امتلكا قدرة الخوض فيها طيلة سنوات انقضت، رغبة في بقاء نفوذهما، وبلوغ أهداف مخططاتهما. اكتسبت طالبان خصائص القوة، في تضاريس بيئتها المتنوعة بدهاليزها وكهوفها وممراتها، الأبعد من مرمى القنص الأمريكي، وهي المهيمنة على مساحة تجاوزت ال70 بالمائة ولم تترك لخصمها أقل من 30 بالمائة من إجمالي الأرض الأفغانية. الجغرافيا خصائص وشروط قوة امتلكتها طالبان في مواجهة خصمها الأمريكي، وأبعد من هذا امتدادها الحيوي المفتوح عسكريا وسياسيا مع إيران، وما امتلكته من آليات لضمان مستلزمات ديمومتها في بيئة هي جزء من مكونها الاجتماعي. لكن التمادي في استخدام شروط القوة، هو استنزاف للقوة ذاتها، قبل الاستدراج نحو دائرة الضعف، هذا ما أدركته حركة طالبان، التي ترى معاناة شعب أنهكته الحروب المدمرة، وتراوده رغبة الاستقرار في عيش آمن، وهي تمضي قدما في مفاوضات السلام مع واشنطن. المعطيات تبدلت في إقليم الشرق الأوسط، وإدارة دونالد ترامب رسمت خارطة جديدة لمخططاتها وأعدت أدواتها التنفيذية، دون التمادي في حرب استنزاف غير مجدية، وهناك هدف إقليمي جديد تفرض الضرورة غلق باب التوتر مع أفغانستان، وغلق باب الحروب الاستنزافية التي تخوضها أمريكا بتكاليف مادية وبشرية باهظة. في ظل هذا الواقع الراهن، أنهى الطرفان الأمريكي وطالبان جولات من المفاوضات استمرت أكثر من عام بتوقيع اتفاقية سلام وصفت ب"التاريخية"، ستسحب بموجبها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي، قواتهم من أفغانستان في ظرف 14 شهرا، وتبدأ حركة طالبان بمفاوضات مع الحكومة الأفغانية لتحديد مستقبل أفغانستان . تعد الحرب الأمريكية في أفغانستان أطول حرب تخوضها أمريكا، اضطرت فيها إلى التفاوض مع خصمها، للملمة أوزارها، وكما وصفها الرئيس دونالد ترامب بأنها "رحلة طويلة وشاقة". طالبان ستعود إلى الواجهة السياسية في كابول، وستستبدل حرب العصابات المسلحة، ب"حرب" دبلوماسية، تستند على قاعدة التفاهمات الواردة في اتفاقيات السلام التاريخية، ويتأهب قادتها لزيارة واشنطن ومصافحة الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، قبل انتزاع مقاعد لها في سلطة مدنية حاكمة . أمضت حركة طالبان اتفاقية السلام مع واشنطن في الدوحة، بعد إن خلعت رداء تنظيم "القاعدة" الإرهابي، وكسرت رايته، وعقدت العزم على غلق كل المنافذ في مناطق مروره، منخرطة في حياة سياسية مدنية تعيد الشعب الأفغاني إلى سلام افتقده منذ أربعين عاما ذاق خلالها ويلات الخراب والدمار والفقر. تتغنى الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم بكسب مبدإ السلام في أفغانستان، وتتفاخر حركة طالبان بالانتصار على "الإمبراطورية الأمريكية"، أما الشعب الأفغاني فالانتصار الذي ينشده لم ير بوادره على الأرض بعد.