حين فاز الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، بمنصب رئيس الجمهورية الأول بعد الثورة، خرج منافسه في الدور الثاني والذي لم يكن سوى آخر رؤساء حكومة المخلوع مبارك، أحمد شفيق، مهنئا وموصيا أنصاره: "من اليوم سنتعاون من أجل مصر، فمرسي بات رئيسنا جميعا"! كلام مثّل لدى البعض مؤشرا على ميلاد ديمقراطية جديدة في مصر، لكن شفيق كان يضمر في سرّه عكس ما يقوله للعلن. ويتحدث به أمام وسائل الإعلام. بل إنه انتظر الفرصة السانحة للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا لإمارة دبي، ساعات فقط قبل إيداع شكاوى ضده لدى النائب العام تتهمه بالسرقة والقتل، والفساد . بلاغات نام عليها النائب العام السابق عبد المجيد محمود، كغيرها من البلاغات التي تراكمت على مكتبه دون أن تجد طريقا نحو التحقيق، بل كانت تنتهي في الغالب إلى البراءة لأصحابها، ضمن خطّة سماها المصريون تهكّما "مهرجان البراءة للجميع"، على وزن "القراءة للجميع" الذي كانت تنظمه زوجة المخلوع سوزان مبارك! هذه البراءة مهدّت أيضا لخروج أقطاب النظام السابق من زنازينهم، مستفيدين من البراءة مع تقديم مبارك كبش فداء وحيد لإشباع غريزة الانتقام لدى المصريين المجروحين من ثورة لم تكتمل.. ومن حلم لم يتحقق.. في تلك الفترة، نجح رموز الدولة العميقة في استعادة أمكنتهم ضمن خارطة الاعلام وأيضا في العديد من المواقع والوزارات السيادية، وتحديدا في الداخلية، والقضاء، رغم أن مرسي وجماعته حاولوا بشتى الطرق تطهيرها، بل وارتكبوا أخطاء في التوقيت والشكل، وتحديدا حين أقال النائب العام ثم عاد لينصبه مجددا، في فخ دبره "الفلول" لمرسي، حتى يظهر رئيسا دون هيبة، أو رئيسا لا يتوفر على الحكمة التي يتطلبها هذا المنصب الخطير! وفي الوقت ذاته، كان أحمد شفيق يعد العدة من أجل تنفيذ الانقلاب، لا، بل إن عمرو موسى ذاته التقى بوزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني من أجل عقد اتفاق مع المرشح السابق للرئاسة، يقوم من خلاله هذا الأخير بخلق فراغ داخل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وهي الهيئة التي انتهت فعلا من كتابة 90 بالمائة من مواده وسط توافق جماعي قبل أن ينسحب من يسمون أنفسهم باللبراليين والعلمانيين، وتوافق معهم حتى اليساريون والناصريون! هؤلاء وفي مقدمتهم الرمز الجديد حمدين صباحي لم يغفروا لمرسي وجماعة الإخوان المسلمين ما جاء في خطاب الرئيس الجديد حين قال: "الستينيات! وما أدراك ما الستينيات! في إشارة إلى الظلم والاستبداد والقمع الذي مارسه الرئيس السابق جمال عبد الناصر ضد قيادات ومناضلي جماعة الإخوان في تلك الفترة الموصوفة بالسوداء! وبعد ما جمع أحمد شفيق مناوئي مرسي من حوله، وتوفر له المال والدعم الخليجي وتحديدا من طرف الإمارات العربية المتحدة، وما تصريحات مدير الشرطة في دبي ضاحي خلفان إلا دليل قوي على ذلك التواطؤ بين الإمارات وخصوم مرسي للدرجة التي خرج فيها خلفان في آخر تغريداته على تويتر ليقول مبتهجا: "إن مخطط إنهاء حكم الإخوان والرئيس محمد مرسي سينجح خلال شهرين". وقال في تغريدات خطيرة: "عناوين الصحف خلال الشهرين القادمين سوف تكون حول "الإخوان ذهبوا مع الريح.. الإخوان ضربهم الطوفان، وفلول الإخوان ليس لهم مكان". وفي إشارة عنيفة إلى الرئيس المصري محمد مرسي قال خلفان: "إن الطاغية يتمسك بالمظهر الديمقراطي، فلا يستمع إلا لصوت غروره وغطرسته، فهو لا يحس كما نحس ولا يتألم كما نتألم"!! وأمام خطورة هذه التغريدات، يقول البعض إنه ليس غريبا أن يعود الناشط الليبرالي محمد أبو حامد من عطلة طويلة في دبي، حيث التقى أحمد شفيق هناك وخططا معا لوضع آخر اللمسات على مشروع الانقلاب.. شفيق الذي ظهر على شاشة دبي مؤخرا ليقول جملة لم ينتبه إليها الكثيرون، معقبا على كلام الصحفية زينة يازجي حين سألته: "لماذا تناضل من بعيد؟" فرد مجيبا: "قريبا جدا ستكتشفين أن تواجدي في دبي كان أهم من البقاء في القاهرة، وأنا من سيختار التوقيت الذي سأعود فيه لأضع السكين على رقبة من يريد ذبحي!!"