الرئيس تبون يستقبل روبرت فلويد    جهود الدولة ترمي إلى تعزيز وترقية ذوي الاحتياجات الخاصة    خلال لقاء تم التأكيد على الوقاية من مرض الإيدز    أجواء ماطرة وباردة على أغلب ولايات الوطن    الأمم المتحدة: مجموعة A3+ تعرب عن قلقها حيال التصعيد الأخير بسوريا وتؤكد انه لا حل عسكري للازمة في هذا البلد    الرئيس تبون يترأس اجتماعا حول العقار الصناعي    اليونسكو تدرج ملف الجزائر المتعلق ب "الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير" في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية    وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني يعقد اجتماعا بمجمع صيدال    تنظيم ورشة حول مراجعة المفهوم الاستراتيجي للقوة الإفريقية الجاهزة بالجزائر    أدرار: مجمع "سونلغاز" حريص على ضمان مرافقة طاقوية ناجعة للاستثمارات الفلاحية والمشاريع الصناعية    الجزائر تعمل لبلوغ الحظر التام على التجارب النووية    نحو إعادة هيكلة مجمع "صيدال"    استجبنا لكل المطالب ونواصل معالجة بعض النقاط    صدمة من قرار "الأونروا" بإيقاف إدخال المساعدات لغزة    الجزائر مثال يقتدى به في التكفّل باللاجئين    حملاوي تستقبل المفوض السامي المساعد لشؤون اللاجئين    الرئيس تبون يستقبل الأمين التنفيذي لمنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية..إلتزام الجزائر "قوي" من أجل عالم بدون أسلحة وتجارب نووية    الحكام يثيرون الجدل وشارف في قفص الاتهام    إيمان خليف تستأنف التدريبات بالولايات المتحدة الأمريكية    شباب قسنطينة وشبيبة القبائل يحققان تعادلا ثمينا    كرة القدم : انطلاق اشغال ندوة "الملاعب الآمنة في إفريقيا" بالجزائر العاصمة    لرصد التحديات الكبرى وآليات النمو..إطلاق دراسة استشرافية للاقتصاد الوطني في آفاق 2062    المجلس الشعبي الوطني يشارك في ذكرى تأسيس البرلاتينو    تسوية العقود وتوفير الدعم واستغلال آلاف الهكتارات    منطلق كهربائي جديد بالناصرية    الدرك يحجز 5350 قرص مهلوس    نحو إنشاء لجنة وطنية لحماية المنتج الجزائري    دفع مستوى التعاون الجزائري- الإيطالي في السياحة    "إخف نو سقاس" يتوج بأحسن عرض متكامل    عصا السنوار يلتقطها غيره ويكمل الغد    نشر الكتب بطريقة البراي لفائدة المكفوفين : "الإبصار بالمعرفة" تجربة رائدة في الجزائر    الانتصار للقضايا العادلة : "الأدب مقاومة " عنوان الطبعة ال7 لأيام خنشلة الأدبية    تطوير شراكات استراتيجية بين الجزائر وقطر    من أجل انتقال سلس في تنفيذ محتوى القوانين    اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة: عرض مسرحية "محكمة الغابة" بالجزائر العاصمة    شنقريحة يترأس حفل تكريم    كيك بوكسينغ ( بطولة افريقيا- 2024): الجزائر تشارك ب 16 ملاكما في موعد جنوب افريقيا المؤهل للألعاب العالمية بالصين- 2025    هذا آخر أجل للإعفاء من الغرامات    حجز قنطار من الكوكايين في العاصمة    فايد: الجزائر تتطلع لتكون طرفا نشطا    محاولتكم مفضوحة..    السيد زيتوني يبرز بنيودلهي استعداد الجزائر لتقديم التسهيلات للشركات الهندية المهتمة بالاستثمار في الجزائر    اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة: أنشطة متنوعة بولايات غرب البلاد    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44502 شهيدا و105454 جريحا    "الشبكة" مسرحية كوميدية تعالج ظاهرة الهجرة السرية    لقاء تحسيسي حول الارتجاجات الدماغية لفائدة لاعبات المنتخب الوطني النسوي    غريب يشدد على ضرورة تطوير الكفاءات والتحكم في المهن الصناعية    فلسطين: قطاع غزة يتعرض لأكبر حملة إبادة جماعية في العصر الحديث    نسوا الله فنسيهم    قوجيل يهنئ النخب العسكرية    على الجزائري أن يشعر بما تبذله الدولة في سبيل الرقي والتطور    تطعيم المرأة الحامل ضد "الأنفلونزا" آمن    إنتاج صيدلاني: دراسة إمكانية إعادة تنظيم وهيكلة مجمع صيدال    المغرب: تصعيد احتجاجات الأطباء و الدكاترة العاطلين عن العمل في ظل تجاهل الحكومة المخزنية لمشاكلهم    الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله والسجود وأفضل أفعالها    هؤلاء الفائزون بنهر الكوثر..    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقصد الشريعة في حفظ صحّة الإنسان
بقلمناصر حمدادوش
نشر في الشروق اليومي يوم 19 - 03 - 2020

كان يوم 11 مارس 2020م يومًا صادمًا ومباغتًا للبعض، عندما أعلنت منظمة الصّحة العالمية فيروسَ كورونا وباءً عالميًّا بعد انتشاره السّريع، مخترقًا كلّ حصون الدول العظمى، إذ مسّ يومها 64 دولة، وبلغت عدد الإصابات به 125 ألف، توفي منهم أكثر من 4600.
لا يزال هذا المخلوق العجيب وغير المرئي يتحدّى الإنسان في جبروته وغروره، فأمريكا ترصد له 50 مليار دولار لمواجهته ولا تزال عاجزة عن تمدّده، وإيطاليا تُطرح أرضًا فيعزلها عن العالم وتتحوّل بالحجر الصّحي إلى سجنٍ كبير، يحصد في يوم واحد فيها حوالي 368 حالة وفاة، وفرنسا تعلن أنها في حالة حرب بسبب كورونا، وتُنزِل الجيش إلى الشارع لفرض الحجر الصحي بالقوة، وألمانيا تسارع الزّمن وتعلن مستشارتُها أنّ هذه الجائحة قد تمسّ ما بين 60 و70 بالمائة من الألمان، وها هي جميع الدول تعلن التعبئة العامة وتسابق القدر بغلق حدودها البرية والبحرية والجوية وتعلن حالة الطوارئ الصّحية وتفرض الحجر الصّحي على مدنٍ ودولٍ بأكملها، وأصبح الجميع يعيش أجواء حرب عالمية، ولكن مع عدوٍّ مجهولٍ لا يُرى بالعين.
وقد نشرت منظمة الصّحة العالمية كيفيات الوقاية من كورونا، منها: النظافة الشخصية، وإتِّباع آداب العطس والسّعال، وتجنّب المخالطة لتجنّب انتقال العدوى… فهل تنطبق طرق الوقاية من كورونا مع الإعجاز التشريعي للإسلام في رعاية مقصد الشريعة الإسلامية في الحفاظ على صحّة الإنسان؟ من مظاهر الإعجاز التشريعي للإسلام ذلك التناغم مع العقل العلمي الذي وصل إليه الإنسان من اكتشافاتٍ دقيقة تؤكّد على علاقة الصداقة بين الإسلام والإنسان، وأنّ تلك الصداقة لا تتوقّف على جانبه الرّوحي الغيبي بل تعمّق تلك العلاقة إلى العناية ببدنه أيضًا، فجعل له عليه حقًّا، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ لبدنك عليك حقًّا.."، والأمر هنا يفيد الوجوب لا الاختيار، وهو ما يؤكّد على النظرة الشّمولية الواقعية والمتوازنة من الشريعة للإنسان، إلى روحه وعقله وبدنه من أجل بنائه المثالي المتكامل القادر على أداء وظائفه الحضارية في هذا الوجود. لقد أثبتت الدراسات الحديثة الأثرَ الإيجابي لأحكام الشريعة الإسلامية على صحّة الإنسان، بما يؤصّل لتلك الحقيقة الخالدة في مبرّر وجود الإسلام في حياة الإنسان من أجل تحقيق مقصدٍ من مقاصده الإنسانية وهو حفظ النّفس البشرية، وفي عمقها حفظ صّحته. بل إنّ مقصد الشريعة الإسلامية في حفظ صحّة الإنسان لا يتحقّق إلا بحفظ ثلاثٍ من الكلّيات الخمس التي جاءت الشريعةُ لحفظها، وهي: حفظ النفس والعقل والعرض، وهي مرتبطةٌ ذاتيًّا بالإنسان، وأنّ المقصديْن الآخريْن: حفظ الدّين وحفظ المال لا يتحقّقان كذلك إلاّ بحفظ الإنسان لصحّته حتى يقوى عليهما، ليتبيّن لنا أنّ حفظ الصّحة هو مقصدُ المقاصد للشريعة الإسلامية في علاقتها المقدّسة بالإنسان، إذ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، وهو ما يجسِّد ذلك التحالف الأزلي بين حفظ الأديان وحفظ الأبدان، فلا ينفكّ أحدُهما عن الآخر، وبهما تتحقّق السّعادة الدنيوية والأخروية معًا. وقد ظهر جليًّا سبقُ الإسلام بروائع تشريعاته السّمحة كلّ الأنظمة والحضارات المتواضعة أمامه، ذلك أنه لا تخلو أبعادُه الفقهية من مضامينها العلمية بما يرقى بها إلى الحقائق اليقينية وليست مجرد النظريات الظنية، ما يجعل المسلم يتمتع بهذه الحقائق، جامعًا فيها بين لمستها التعبّدية الرّوحية وأبعادها الطبّية الصّحية، ذلك أنّ الإسلام لا يغرق في باطن الإنسان بل يرافق ظاهرَه أيضًا. ومن أعظم نِعم الله تعالى على الإنسان: الصّحة، وهي تاجٌ على رؤوس الأصحّاء لا يعرف قيمتها إلاّ المرضى، وقد جاء في الحديث النبوي الشّريف: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النّاس: الصّحة والفراغ."، والحقيقة أنّ نظرة الإسلام إلى الإنسان عمومًا وإلى الصحّة خصوصًا هي موقفٌ إنسانيٌّ استثنائيٌّ لا نظير له في أيّ دينٍ أو حضارةٍ أخرى يبعث على الفخر والاعتزاز.
ومن روائع الإسلام في حفظ مقصد صحّة الإنسان:
1) قوّة الاعتقاد في الشّفاء: وهو ما يزيد في قوّة المناعة، وهي من أعظم أسرار الوقاية والعلاج بقوة الإيمان والثقة واليقين والرّاحة النفسية والطمأنينة الداخلية وعدم الانهزام أمام التهويل والفزع والقلق، وهو الأمل الذي يغري الأطباء والمرضى معًا، فلا يستسلموا لهذه الحروب البيولوجية والمصائب الخفيّة، فقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "إنّ الله لم يُنزل داءً إلاّ أنزل له شفاءً، علمه مَن علِمه وجهِله مَن جهِله.". 2) تقديس النظافة: ولعلّ ما اتفق عليه العقل العلمي المعاصر أنّ النظافة هي أهمّ عنصرٍ من عناصر الطبّ الوقائي، وهي في الإسلام نصف الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلّم: "الطّهور شطر الإيمان.."، وأنّ أوّل بابٍ من أبواب الفقه كلّها تبدأ ب(الطهارة)، وبها يبدأ وينهي المسلمُ يومه مع أعظم أنواع العبادات وهي الصلاة بالوضوء والغسل، وأنّ من شروط صحّتها: طهارة البدن واللباس والمكان، بما يرقى بهذه النظافة إلى استحقاق المحبّة الإلهية للعبد كما قال تعالى: "إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين." (البقرة: 222)، بل جعل الإسلام هذه النظافة مفتاح الإيمان والجنة، فقد جاء في الحديث النبوي الشّريف: "النظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة". 3) أنّه حلّ عقدة ذلك الخلط الهجين بين الإيمان بالقدر وبين ترك الأخذ بالأسباب في العلاج، فقد اعتقد البعضُ جهلاً أنّ الأمراض والأوبئة من أقدار الله تعالى التي يجب أن نصبر عليها ونرضى بها ونستسلم لها، فقد جاء في السنن عن أبي خزامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أرأيتَ رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها فهل تردّ من قدر الله شيئًا؟ قال: هي من قدر الله.". المرض قدرٌ والعلاج منه كذلك قدر، فندفع قدرًا بقدرٍ آخر، ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أراد الدخول إلى الشّام وقد علِم أنّ بها طاعونًا فاستشار أصحابه في الرجوع احترازًا من عدوَاه، فقال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أنفرُّ من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. 4) أنّ الإسلام أقرّ سياسةً وقائية في العدوى وهي الاحتراز والعزل الصّحي من الأوبئة، فقد جاء في الحديث النبوي الشّريف عن الطاعون: "إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه"، وذلك حصرًا للوباء حتى لا ينتشر جغرافيًّا ولا ديمغرافيًّا.
بل وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلّم احترام المسافة في العزل وتجنّب الاحتكاك بين البشر في حالات الوباء، فقال: "لا تدِيمُوا النّظر إلى المجذومين"، وقال: "كلِّم المجذوب وبينك وبينه قدْرُ رمحٍ أو رمحيْن".
وهي من أهمّ القواعد العلمية المتناغمة مع روائع التشريع الإسلامي في تحقيق مقصدٍ من مقاصد الشريعة الإسلامية، وهي الحفاظ على صحّة الإنسان، ليبقى هذا الدّين خالدًا ورحمةً للعالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.