مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور فيليب شيفيك نايلور الأستاذ في جامعة «ماركيت» والمسئول عن برنامج الحضارة الغربية فيها. وكان قد نشر سابقا كتابا بعنوان «الجزائر: الدولة والمجتمع» (1992)، وهو الآن يشتغل على كتاب حول العلاقات الفرنسية الجزائرية في مرحلة ما بعد الاستعمار ويرى المؤلف أن الجزائر تعيش حاليا أكبر أزمة لها بعد الاستقلال وسبب هذه الأزمة يعود أساسا إلى عدم قدرتها على التوفيق بين موروثاتها التاريخية المختلفة. فالجزائر بلد مر بعدة مراحل، وكل مرحلة كانت متناقضة مع الأخرى. وبالتالي فلكي يفهم المؤلف الوضع هناك فإنه يستعرض كل حقب التاريخ الجزائري بدءاً مما قبل التاريخ وحتى عصرنا الراهن ثم يردف المؤلف قائلا: إن أصل الجزائريين هو العرق البربري الأمازيغي الذي اختلط بالعرق العربي بعد الفتح الإسلامي. ويمكن القول بأن قبائل بني هلال التي جاءت من المشرق بعد القرن الحادي عشر الميلادي هي التي عرّبت قسما كبيرا من الجزائريين ومن سكان شمال إفريقيا عموما ثم، ويا للتناقض، حصلت الموجة الثانية من تعريب الجزائريين إبان الاستعمار الفرنسي وبخاصة بين عامي 1850 1950. بل وحتى عام 1886 كان عدد البربر أكبر من عدد العرب في الجزائر (1,2 مليون مقابل 1,1 مليون). ولكن بعد ذلك أخذت النسبة تنعكس حتى أصبح العرب هم الغالبية مع بقاء أقلية بربرية كبيرة وبخاصة في منطقة القبائل. وهنا يوجد أحد أسباب الصراع وعدم قدرة الجزائريين على توحيد هويتهم بشكل حاسم. وفيما يخص المراحل القديمة من تاريخ الجزائر يمكن القول بأن المسيحية كانت منتشرة فيها بكثرة. والدليل على ذلك هو أنها أنجبت أحد أكبر آباء المسيحية إن لم يكن أكبرهم كلهم: القديس أوغسطيوس وكان ذلك في القرن الرابع الميلادي، أي قبل ظهور الإسلام بثلاثة قرون. ولا يزال بعض الجزائريين حتى الآن يفتخرون أمام الفرنسيين وبقية الأوروبيين بذلك. فليس قليلا أن تكون الجزائر هي موطن أكبر فيلسوف في تاريخ المسيحية. ثم يردف المؤلف قائلا ثم جاء الفتح الإسلامي في أواخر القرن السابع الميلادي. ولكنه لم يتم بسهولة على عكس ما نتوهم. فقد جرت معارك ضارية بين الطرفين. بل واستطاع الملك المسيحي للجزائر والمدعو باسم «موسيلة» أن يهزم جيوش القائد العربي الشهير عقبة بن نافع عام 689. كما واستطاعت ملكة البربر المدعوة بالكاهنة أن تلحق هزيمة كبيرة بقوات القائد العربي الآخر: الأمير حسن بن النعمان عام 693 ولكن الجيش العربي استطاع أن ينتصر في النهاية ويفتح الجزائر بعد أن خاض المعارك بين عامي 670 702: أي طيلة أكثر من ثلاثين سنة. بعدئذ أخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجا. وعلى هذا النحو انتصر الإسلام وتحول الجزائريون عن المسيحية لكي يعتنقوه أو قل بأن سكان المدن هم الذين اعتنقوه أولا لكي يحموا أنفسهم من غزوات البدو ولأنهم آمنوا به عن محبة واقتناع. وفي ذات الوقت راحوا يتعلمون اللغة العربية الآتية إليهم من جهة المشرق. ولكن هذا حصل بشكل تدريجي في الواقع. فالتعريب لم يحصل بين عشية وضحاها على عكس ما نتوهم. بل ولم يحصل بشكل واسع إلا بعد الاستقلال ثم يردف المؤلف قائلا: وإذا ما نظرنا إلى التاريخ الجزائري على مداه الطويل وجدنا أن عدة حضارات تعاقبت عليه بدءً من الحضارة الأمازيغية مرورا بالحضارة الفينيقية فالحضارة الرومانية فالحضارة العربية الإسلامية فالأسبان فالأتراك فالفرنسيين أخيرا. وهذا السبب يجد الجزائريون كما قلنا صعوبة في توحيد أنفسهم، فهم مشكلون من هويات شتى لا هوية واحدة. ولكن يمكن القول بأن الهوية العربية الإسلامية هي التي تغلبت على غيرها دون أن يعني ذلك إهمال التأثير الأجنبي وبخاصة الحضارة الفرنسية التي استعمرت البلاد أكثر من قرن وربع القرن. فتأثيراتها واضحة للعيان في الجزائر حتى الآن وبالتالي فالإسلام هو الراسخ هناك وهو الذي يشكل عمق الهوية الجزائرية، وهو الذي يجمع بين العرب والبربر دون أي تفرقة أو تمييز. فجميعهم مسلمون.