أعادت حالة الهلع والحذر التي تميز الجزائريين ومختلف بلدان العالم بسبب فيروس كورونا، الوضع الصعب الذي عاشه سكان تكوت بباتنة منذ مطلع الألفية بسبب داء السيليكوز الناجم عن صقر الحجارة، خاصة في ظل القواسم المشتركة التي يلتقي فيها السيليكوز وكورونا، بحكم أنهما يستهدفان الجهاز التنفسي، ناهيك عن تسببهم في عدد كبير من الضحايا، فقد توفي منذ مطلع الألفية أكثر من 197 شاب من تكوت بداء السيليكوز، فيما تعدى مؤخرا عدد وفيات الجزائريين 200 شخص بسبب فيروس كورونا. في الوقت الذي تمر الجزائر فيه على غرار بقية بلدان العالم، بوضعية صعبة وحرجة بسبب الانتشار المخيف لفيروس كورونا الذي يواصل حصد ضحاياه، وسط مطالب جماعية بضرورة الحجر المنزلي والتعامل بصرامة لمواجهة هذا الوباء، فإن المناطق التابعة لدائرة تكوت بباتنة تواصل هي الأخرى عد ضحاياها من الشبان الممتهنين لحرفة صقل الحجارة الناجم عن مخلفات داء "السيليكوز" المميت الذي حصد أكثر من 197 ضحية حسب أرقام غير سمية، منهم ثلاثة شبان توفوا مطلع هذا العام، ناهيك عن العدد الكبير من المرضى الذين يعانون في صمت، ما يزيد من حدة هذه المأساة التي تخيم على منطقة تكوت (100 كلم عن عاصمة الولاية باتنة)، خاصة في ظل الضرر الذي مس أبناءها منذ ظهور الوباء نهاية التسعينيات، قبل أن يتحول إلى كابوس حقيقي مطلع الألفية الحالية. يحدث هذا في الوقت الذي يحتل شبان قرية شناورة نصف عدد الوفيات بداء السيليكوز، مقابل توزيع العدد الباقي على أحياء وقرى تكوت، مثل تادخت، زينون، عين البير وتيغزة إضافة إلى بلدية إينوغيسن. والملاحظ أيضا أن نسبة 40 من المائة على الأقل من المتوفين متزوجون خلّفوا عددا كبيرا من الأرامل واليتامى، منهم من وصل سن الدراسة، وآخرون أصبحوا شبانا يواجهون مصاعب الحياة. بين سيليكوز تكوت وكورونا الجزائر والعالم قواسم ومآس كبرى لم يتوان بعض أبناء منطقة تكوت بباتنة، في القيام بمقارنة حول المآسي التي خلفها وباء كورونا في الجزائر وفي بقية بلدان العالم، وبين وباء داء السيليكوز الذي حصد هو الآخر أرواح أكثر من 197 ضحية من منطقة تكوت، وهذا بسبب ممارسة حرفة صقل الحجارة، حيث قال عبد الحق زعزع في هذا الجانب: "أريد التذكير بما تعيشه منطقة تكوت بولاية باتنة منذ سنوات وحصيلة الضحايا الذين افتقدتهم عائلاتهم والتي تزداد كل مرة، فما عاشته من سنوات في صمت تعيشه الجزائر اليوم منذ عدة أسابيع، حيث كانت حصيلة ما فقدته دائرة واحدة من الجزائر العميقة خلال سنوات مضت تفوق عدد ما خسرته دولة بأكملها". مضيفا بالقول "يوم 19 فيفري 2020 خسرت دائرة تكوت بولاية باتنة 196 ضحية من أبنائها الشباب جراء مرض السيليكوز ويوم 6 أفريل 2020 مثلا، بلغت حصيلة الضحايا في الجزائر بكل ولاياتها 173 ضحية جراء فيروس كورونا، قبل أن تواصل الارتفاع وتتجاوز عتبة 200 ضحية"، وقال عبد الحق زعزع إن هذه الحصيلة التي فقدتها دائرة تكوت في صمت لا يختلف عما تعيشه الجزائر اليوم ومختلف بلدان العالم، بسبب وباء كورونا، متمنيا من سكان منطقة تكوت الالتزام بالحجر الصحي والبقاء في منازلهم، لأن هذا الفيروس حسب قوله فتاك وستكون الحصيلة ضخمة وكبيرة جدا، خصوصا وأن أغلب الشباب يعانون من مرض السيليكوز الذي يصيب الرئتين، مؤكدا أن المصاب بمرض السيليكوز ستكون إصابته بفيروس كورونا سهلة مقارنة بأمراض أخرى، ولهذا يجب أخذ الحيطة والحذر والالتزام بالنصائح والتوجيهات، والقيام بالإجراءات الاحترازية اللازمة. أطباء عاجزون وآخرون يحذرون من عواقب الموت البطيء يشتكي سكان تكوت من غياب إستراتيجية واضحة لتخفيف المتاعب التي تلاحق المرضى ومقربيهم، حتى أن جهود الأطباء لم تجد حلولا شافية رغم المساعي القائمة على مستوى القطاع الصحي بتكوت، وإيفاد أطباء من بلدية آريس، إضافة إلى نقل المرضى إلى عاصمة الولاية باتنة، ليبقى المطلب الرئيسي في نظر الأطباء هو ضرورة الوقاية والابتعاد نهائيا عن مزاولة نشاط حرفة الحجارة، خصوصا أنّ مرض "السيليكوز" المميت لا يرحم الذين يشتغلون في هذا الميدان، لأن الإصابة به ناتجة أساسا عن انبعاث الغبار من الحجارة المنقوشة ليترسب في الرئتين، وهو ما يصعب مهمة العلاج، وتشير إحصائيات قام بها أطباء مختصون بباتنة، أنّ نسبة 50 من المائة من الحرفيين الذين يقومون بنقش الحجارة، مصابون بمرض "السيليكوز" بدرجات متفاوتة، ويزداد خطر الإصابة بمرض "السيليكوز" لكون غالبية محترفي مهنة صقل الحجارة يعملون لحسابهم الخاص، وغير مصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي، ما يجعلهم في وضعية صعبة للتكفل بهم من ناحية العلاج وبعائلاتهم بعد الوفاة، والأخطر هو أنّ أعراض الداء لا تظهر إلا بعد بلوغه مراحل متطوّرة وتعقد عملية التنفس. من جانب آخر، وصل الدكتور بشير رحماني الذي كان مكلفا بمتابعة مرضى الحجارة إلى قناعة بأن شبان تكوت يبقون بين مطرقة الموت وسندان ممارسة المهنة، ما يتطلب حسب قوله ضرورة الوقاية والابتعاد نهائيا عن مزاولة هذا النشاط، خصوصا وأنّ أعراض داء السيليكوز لا تظهر إلا بعد بلوغه مراحل متطوّرة، مخلفة تعقيدات في عملية التنفس، علما أنّ عدد العاملين في هذه الحرفة يتعدى 1200 شخص، غالبيتهم يعملون لحسابهم الخاص وغير مؤمنين اجتماعيا، ما يجعلهم في وضعية صعبة جدا للتكفل بهم من ناحية العلاج وبأهلهم بعد الوفاة. دعوات للحذر واستياء من افتقاد مستشفى تكوت لأبرز الضروريات وإذا كان الكثير يدعون إلى ضرورة الحذر والحرص على تفادي مهنة صقل الحجارة من أساسها، إلا أن مخلفات ضحاياها كثيرة، خصوصا وأنهم لا يزالون يعانون في صمت، يحدث هذا في ظل غياب جناح مستقل للأمراض التنفسية في مستشفى تكوت، ناهيك عن ندرة الأطباء الأخصائيين في هذا الجانب، ما يزيد في متاعب المرضى الذين يرغمون على التنقل إلى آريس أو باتنة وبسكرة في رحلات علاجية مريرة، وهو الأمر الذي وصفه الضحية رقم 185 سهيل لونيسي (توفي منذ عام ونصف) في منشورات ورسائل مؤثرة كتبها على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك قبل وفاته، ما جعل الكثير يقرأها ويتداولها بألم وحسرة، حيث أن آخر ما كتبه الفقيد وهو في مستشفى آريس: "كان أبسط أحلامي مستشفى وسرير وطبيب يقول فقدنا مريضا، حظيت بالمستشفى والسرور ولم يتبق للطبيب سوى أن يعلن الرحيل"، وقبل رسالة الوداع فقد كتب منشورات أخرى صبت في خانة الحزن والتأسف على واقع ضحايا حرفة صقل الحجارة، من ذلك عبارة "لا تحدثني عن المصيبة، حينما تكون المصيبة ليست مصيبتك"، وغيرها من المنشورات والكتابات التي أثرت كثيرا في نفسية مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي. أما سكان تكوت فقد رفعوا عدة شعارات منها: "شبابنا مريض وأصبح يقول.. أريد موتا كريما بين أهلي وبلدتي، تعبنا من السفر إلى المستشفيات خارج تراب الدائرة والولاية.. ما هذا الصمت، إلى متى هذه المعاناة". ومعلوم أن قرية شناورة تحتل نصف عدد الوفيات بداء السيليكوز، مقابل توزيع العدد الباقي على أحياء وقرى تكوت، مثل تادخت، زينون، عين البير وتيغزة إضافة إلى بلدية إينوغيسن. والملاحظ أيضا بأن نسبة 40 من المائة على الأقل من المتوفين متزوجون خلفوا عددا كبيرا من الأرامل واليتامى، منهم من وصل سن الدراسة، وآخرون أصبحوا شبانا يواجهون مصاعب الحياة.