800 مريض في طابور الموت والأطباء في حيرة تواصل المناطق التابعة لدائرة تكوت بولاية باتنة عدد ضحاياها من الشبان الممتهنين لحرفة صقل الحجارة الناجم عن مخلفات داء"السيليكوز" المعروف في المنطقة بمرض "أنفلونزا الحجارة" المميت، الذي يحوّل أجسامهم النحيفة إلى أشباح وهياكل عظمية، قبل أن يستسلموا لداء فتاك لا يرحم كل من يفكر في ولوج هذه الحرفة، وبات شبان تكوت يصنعون الموت لأنفسهم، في ظل غياب مناصب بدائل مهنية تضمن لهم لقمة العيش في أجواء مقبولة. وقفت"الشروق" على حجم المأساة الإنسانية التي تخيم على منطقة تكوت وضواحيها (100 كلم عن عاصمة الولاية باتنة)، خاصة في ظل الضرر المعنوي الذي أصابهم منذ ظهور الوباء نهاية التسعينيات قبل أن يتحول إلى كابوس يهدد كل من يفكر في عالم حرفة النقش على الحجارة أو "تازروث" باللهجة الشاوية. وعبّر ممثلو المجتمع المدني بدائرة تكوت عن تذمرهم للوضعية الصحية التي وصفوها بالمتردية، بسبب افتقاد العيادة إلى الإمكانات اللازمة التي تسمح بالتكفل الصحي للمرضى، ودعا ممثلو المجتمع المدني إلى ضرورة تدخل الوالي وبقية الجهات الوصية لإنقاذ الموقف بخطوات ميدانية، وفي مقدمة ذلك توفير سيارة إسعاف تسمح بنقل المرضى المستعصية حين يتطلب الأمر مواصلة علاجهم في عاصمة الولاية باتنة أو آريس وبسكرة، داعين إلى تدعيم المركز الصحي بسيارة إسعاف مجهزة وحديثة تتماشى ومتطلبات الحالات المرضية المتواجدة في البلدية التي تشكو من تزايد حالات مرضى"أنفلونزا الصخور" الذي تسبب في وفاة أكثر من 125 ضحية، وطالبوا بإحصائيات دقيقة ورسمية للمصابين بهذا الداء القاتل في المنطقة بغية اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية اللازمة في إطار تشخيص الأسباب الحقيقية لمرض السليكوز وكيفية متابعة المرضى عن قرب للحد من تداعياته.
أكثر من 125 ضحية، "قمري" أولهم وشبان "شناورة" أكثر المتضررين وتتضمن الإحصائيات الخاصة بأسماء الوفيات بسبب "انفلونزا الحجارة" معطيات مخيفة بعد أن وصل الرقم إلى أكثر من 125 ضحية، وكان أول الضحايا هو السيد قمري أحمد من قرية شناورة عام 2001، حيث أصيب الفقيد بأولى ملامح هذا المرض مع نهاية التسعينيات، حين عجزت رئتاه عن النشاط بصورة طبيعية، ما جعله يطرق أبواب المستشفيات والعيادات العمومية والخاصة في أريس، باتنة، قسنطينة والعاصمة، ليلفظ أنفاسه في مستشفى بني مسوس بالعاصمة شهر جانفي 2001، وكان السيد شاطري جموعي ثاني ضحية في بداية أفريل من نفس السنة عن عمر يناهز 36 سنة، لترتفع الحصيلة إلى 45 ضحية خريف 2009، وازدادت إلى غاية هذه السنة بحوالي 3 أضعاف. ويحتل شبان قرية "شناورة" نصف عدد الوفيات بداء السيليكوز المعروف في المنطقة، كما ذكرنا سابقا "انفلونزا الحجارة"، مقابل توزيع العدد الباقي على أحياء وقرى تكوت، مثل تادخت، زينون، عين البير وتيغزة إضافة إلى بلدية إينوغيسن، والملاحظ أيضا بأن نسبة 40 بالمائة على الأقل من المتوفين متزوجون خلفوا أطفالا منهم من وصل سن الدراسة، وآخرون أصبحوا شبانا على غرار عائلة الفقيد قمري احمد بشناورة.
"انفلونزا الحجارة" تلاحق 50 بالمائة من الحرفيين ويشتكي سكان تكوت من غياب استراتيجية واضحة لتخفيف المتاعب التي تلاحق المرضى ومقربيهم، حتى أن جهود الأطباء لم تجد حلولا شافية رغم المساعي القائمة على مستوى القطاع الصحي بتكوت، وإيفاد أطباء من بلدية آريس، إضافة إلى نقل المرضى إلى عاصمة الولاية باتنة، ليبقى المطلب الرئيسي في نظر الأطباء هو ضرورة الوقاية والابتعاد نهائيا عن مزاولة نشاط حرفة الحجارة، خصوصا أنّ مرض السليكوز المميت "أنفلونزا الحجارة"، لا يرحم الذين يشتغلون في هذا الميدان، لأن الإصابة به ناتجة أساسا عن انبعاث الغبار من الحجارة المنقوشة ليترسب في الرئتين، وهو ما يصعب مهمة العلاج، وتشير إحصائيات قام بها أطباء مختصون بباتنة، أنّ نسبة 50 بالمائة من الحرفيين الذين يقومون بنقش الحجارة، مصابون بمرض"السليكوز" بدرجات متفاوتة، ويزداد خطر الإصابة بمرض "السليكوز" لكون غالبية محترفي مهنة صقل الحجارة يعملون لحسابهم الخاص، وغير مصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي، ما يجعلهم في وضعية صعبة للتكفل بهم من ناحية العلاج وبعائلاتهم بعد الوفاة، والأخطر هو أنّ أعراض الداء لا تظهر إلا بعد بلوغه مراحل متطورة وتعقد عملية التنفس.