تمسك الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بموقفه الرافض للاعتذار للجزائريين عن مآسي الماضي الاستعماري لفرنسا، مثلما تطالب به الجزائر الرسمية والشعبية، لكنه رفض ربط مصير العلاقات الثنائية بهذا الملف الحساس. ورد ساركوزي على أسئلة الصحفيين بلهجة دبلوماسية تخفي وراءها الكثير من اللباقة وشيء من التهرب قائلا، "دعنا نتوجه للمستقبل.. حقيقة، الجزائريون عانوا كثيرا، وفرنسا تقدر ذلك. والفرنسيون عانوا أيضا، لكن هذا الأمر أصبح جزء من الماضي"، تعبيرا عن موقف كرره أكثر من مرة، هنا بالجزائر من موقعه كوزير، ثم كرئيس للجمهورية الفرنسية. وقال ساركوزي في رد على سؤال بهذا الخصوص، "لا أريد جرح الأصدقاء، وزيارتي للجزائر تهدف إلى الجمع وليس التفريق"، لكنه، حاول التهوين من هذا الموقف المتصلب، من خلال دغدغته لعواطف الجزائريين، وهو يؤكد على "احترام فرنسا للجزائر وتاريخها ورجالاتها". ودعا رجل الإيليزي الأول الجزائريين والفرنسيين على حد سواء، إلى طي صفحة الماضي، وتجاوز تقليب أوجاع التاريخ، حتى يتسنى للطرفين بناء علاقات ثنائية يسودها الاحترام المتبادل. وعبر ساركوزي عن رغبة بلاده في بناء علاقات خاصة مع الجزائر، وقال إن نية فرنسا متوفرة في هذا السياق، مستدلا بهذه الزيارة، التي قال إنها أول زيارة يؤديها إلى خارج أوروبا منذ انتخابه في مطلع شهر ماي المنصرم. من جهة أخرى، كشف نيكولا ساركوزي عن اعتزامه القيام بزيارة دولة نحو الجزائر في النصف الأول من شهر نوفمبر المقبل، بهدف وضع أسس الشراكة الاستثنائية، التي تحدث عنها أكثر من مرة، ولاحظ أن العلاقات الجزائرية الفرنسية بخير، مهونا مما يكتب في الصحافة ومن التصريحات السلبية المتعلقة بهذه القضية، مؤكدا بأن "الصداقة لا يمكن أن تبنى باتفاقية"، في إشارة إلى دخول اتفاق الصداقة مصيرا مجهولا منذ سنة 2005، التي قدمت على أنها موعدا لتجسيد هذا الحلم الفرنسي. وتحدث ساركوزي عن زيارة الدولة التي يحضر لها، وقال إنه والرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمرا بتشكيل فريقي عمل فرنسي جزائري من مستشاريهما وعدد من الخبراء، بهدف تحضير المشاريع التي ستطرح للنقاش خلال الزيارة الموعودة، التي تعتبر العلاقات في مجال الطاقة جانبا مهما منها، وفي هذا السياق، أوضح ساركوزي أن أرضية الاتفاق مهيأة، ولم يتبق غير توفر الإرادة لتجسيدها، خاصة وأن الجزائر، كما قال، تتوفر على عنصر الطاقة الحيوية اليوم ممثلة في النفط والغاز، وفرنسا تتوفر على طاقة الغد، في إشارة إلى التكنولوجيا النووية التي ظل ساركوزي يعرضها على الجزائر منذ حملته الانتخابية. كما تطرق ساركوزي إلى موقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية، مشددا على أن فرنسا ستعمل كل ما في وسعها من أجل الوصول إلى حل يرضي الطرفين، وقال إن بلاده لا ترغب في أن يكون موقفها لصالح طرف وعلى حساب آخر، لأن ذلك من شأنه أن يقود إلى المزيد من النزعات في هذه المنطقة القريبة من أوربا. أما فيما يتعلق بمشروع الاتحاد المتوسطي الذي طرحه منذ توليه الرئاسة، فقد كشف خليفة شيراك عن تنظيم لقاء يجمع بين رؤساء دول وحكومات الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط في النصف الأول من السنة المقبلة، وقال إنه يأمل في أن تلعب الجزائر الدور على مستوى هذا المشروع، الدور الذي تلعبه ألمانيا إلى جانب فرنسا في الاتحاد الأوربي، منبها إلى أن هذا المشروع يتوخى تكريس السلم والأمن في حوض المتوسط. محمد مسلم:[email protected]