إعترف الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، بأن الإستعمار "خطأ كبير"(..)، لكنه جدد رفضه التعبير عن "أي ندم"، أو الإعتذار عن الجرائم الإستعمارية، وقال خليفة جاك شيراك بقصر الإليزي، أن "الإستعمار ليس مسؤولا عن كل المصاعب التي تواجهها إفريقيا حاليا"، مشيرا إلى ما تواجهه بلدان القارة من حروب وجرائم الإبادة والفساد والتبذير. نيكولا ساركوزي من السنيغال، قال أول أمس، "لم آت لمحو الماضي، لأن الماضي لا يمحى، ولم آت لأنكر الأخطاء أو الجرائم، لأن أخطاء وجرائم حصلت منها تجارة الرق والعبودية"، وأكد الرئيس الفرنسي "لا يمكن لأحد أن يطلب من أجيال اليوم التكفير عن جريمة إرتكبتها الأجيال السابقة.. لا يمكن لأحد أن يطلب من الأبناء أن يندموا عن أخطاء آبائهم". وتابع الرئيس الفرنسي، "جئت أقترح عليكم أن ننظر معا، أفارقة وفرنسيين، إلى أبعد من هذا الشرخ وهذه المعاناة (...).. جئت أقترح عليكم يا شباب إفريقيا، لا أن نبكي معا على الماضي بل أن نستخلص منه الدروس معا وأن نتطلع معا نحو المستقبل"، مؤكدا أن فرنسا ستقف "إلى جانب إفريقيا على طريق الإدارة الرشيدة وفي معركتها ضد الفقر والبؤس". وقال نيكولا ساركوزي في الكلمة نفسها أن "ما تريد فرنسا أن تنجزه مع إفريقيا هو مواجهة الحقائق وصنع سياسة الواقع وليس سياسة الأساطير"، داعيا إلى علاقة "بين أمم متساوية في الحقوق والواجبات" ، كما عرض الرئيس الفرنسي من دكار نظرته حول "شراكة متجددة بين فرنسا وإفريقيا"، داعيا القارة السوداء إلى عدم "إستعادة الماضي الإستعماري والإلتزام بإدارة رشيدة". إعتراف ساركوزي من السنيغال بأن "الإستعمار خطأ كبير"، جاء بعد أكثر من أسبوعين، عن الزيارة التي قادته للجزائر(10 جويلية الماضي) كأول محطة له خارج فرنسا بعد إنتخابه رئيسا للجمهورية، وقد تمسك "ساركو" بموقفه الرافض للإعتذار للجزائريين عن مآسي الماضي الإستعماري لفرنسا، مثلما تطالب به الجزائر الرسمية والشعبية، لكنه رفض بالمقابل ربط مصير العلاقات الثنائية بهذا الملف المثير للحساسيات بين البلدين. وقال ساركوزي في الجزائر "دعنا نتوجه للمستقبل..حقيقة، الجزائريون عانوا كثيرا، وفرنسا تقدر ذلك، والفرنسيون عانوا أيضا، لكن هذا الأمر أصبح جزء من الماضي"، مضيفا "لا أريد جرح الأصدقاء، وزيارتي للجزائر تهدف إلى الجمع وليس التفريق"، وأبرز بلغة ديبلوماسية مثيرة للعواطف، "إحترام فرنسا للجزائر وتاريخها ورجالاتها"، داعيا الجزائريين والفرنسيين، إلى طي صفحة الماضي، وتجاوز تقليب أوجاع التاريخ، حتى يتسنى للطرفين بناء علاقات ثنائية يسودها الإحترام المتبادل. حديث نيكولا ساركوزي لأول مرة، حسب ما يسجله مراقبون، عن "الأخطار والجرائم" المرتكبة بإسم الإستعمار في إفريقيا، دون أن يقدم أي إعتذار رسمي، يأتي بعدما عبر خليفة شيراك، خلال زيارته للجزائر، عن رغبة بلاده في "بناء علاقات خاصة مع الجزائر"، وقال إن نية فرنسا متوفرة في هذا السياق، مستدلا بتلك الزيارة، التي ذكر بأنها أول زيارة يؤديها إلى خارج أوروبا منذ إنتخابه في مطلع شهر ماي المنصرم، مؤكدا بشأن ميثاق الصداقة بين الجزائروفرنسا بأن "الصداقة لا يمكن أن تبنى بإتفاقية"(..). وفي تقييم لزيارة ساركوزي الأخيرة للجزائر، أكد مراد مدلسي، وزير الشؤون الخارجية، أن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي، حيث أجرى محادثات مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، "تميزت بالبراغماتية والإرادة"، مشيرا إلى أنه "تم تسجيل عزيمة وصراحة كبيرتين لدى الطرفين"، وأبرز "النية الكبيرة" لساركوزي في رفع مستوى العلاقات الثنائية". وينتظر أن يعود ساركوزي إلى الجزائر في نوفمبر القادم، حيث يرتقب أن تفتح مجددا الملفات العالقة بين الجزائر وباريس، أهمها ملفات الصداقة والماضي الإستعماري والشراكة وتنقل الأشخاص من وإلى البلدين، ويرى مراقبون، بأن الرئيس الفرنسي غيّر خطابه في السنيغال عندما إعترف بأن الإستعمار "خطا كبير" وإستعمل كلمة "الأخطار والجرائم"، وهو ما يعتبر نقلة نوعية في لهجة "ساركو" بشأن الحقبة الإستعمارية بإفريقيا، التي خصها قانون 23 فيفري الملغى، بتمجيد "الدور الإيجابي للمستعمر الفرنسي". وبادر ساركوزي خلال زيارته للجزائر كوزير للداخلية في نوفمبر 2006، بزيارة مقام الشهيد برياض الفتح، حيث وقف دقيقة صمت على أرواح شهداء الثورة التحريرية ووضع باقة من الورود، ووصف ذلك بأنها "طريقة للتعبير عن مشاعر الإحترام إزاء الجزائريين"، كما أبدى تفهمه لمشاعر الجزائريين إزاء قانون 23 فيفري، قائلا: "لا شيء يمنع من القول بأن النظام الإستعماري ظالم، وقد خلف آلاما كثيرة، وضحايا غير جزائريين أيضا"، مضيفا "إذا كنا نريد السير نحو مستقبل مشترك، فيجب أن يكون هناك إشارات للتخفيف من هذا التوتر، ولقد كان وقوفي في مقام الشهيد موقفا قويا مني"، ودعا ساركوزي إلى "وضع حد للإهانات والعبارات الجارحة التي قد تصدر من هنا وهناك، لأن هناك الكثير من المعاناة في كلا الجانبين"، وعند زيارته للمقبرة المسيحية ببولوغين، إكتفى ساركوزي بالقول: "لقد عاشت الجزائر آلاما كثيرة، ووجودي الآن في هذه المقبرة يعبر عن وجود معاناة من الجانبين، لهذا لا بد أن نحترم الموتى سواء أكانوا شهداء جزائريين أو موتى أوروبيين". جمال لعلامي:[email protected]