يشكل الراحل محيي الدين بشطارزي علامة فارقة في المسرح الجزائري فهو عميد المسرحيين وأب الخشبة ومؤسس المسرح الجزائري، فقد جمع بين التمثيل والكتابة للمسرح والسينما والتأليف الموسيقي. وُلد محيي الدين بشطارزي في 15 ديسمبر 1897 بحي القصبة العتيق وبدأ مسيرته كمُقرئ للقرآن الكريم في سن الخامسة عشر، صوته الجميل أهله ليكون رئيسا لمقرئي القرآن وسنه لم يتجاوز 21 عاما. انتسب محيي الدين بشطارزي للجمعية الغنائية "المطربية" التي أصبح رئيسا لها سنة 1932، وانتقل بعدها من أداء الأغاني الدينية إلى الأغاني العاطفية، هذا التحول في مسار الفنان ألب عليه العائلة وأدى بها إلى مقاطعته. كان الراحل غزير الإنتاج وكثيف الحضور على الخشبة ولفت الأنظار ببراعته في تقمّص الأدوار. شارك مع طلبة المدارس الإسلامية في تمثيل عدة مسرحيات، ومثل رفقة علولة في اسكتشات قصيرة هزلية. وبعد الزيارات التي قامت بها بعض الفرق العربية (فرقة جورج أبيض ونجيب الريحاني.) شكل محييي الدين بشطارزي مع مجموعة من الهواة فرقة "المطربية" التي كانت تقدّم أعمالا مسرحية ممزوجة بالغناء والرقص. وقرر سنة 1947 إطلاق فرقته الخاصة بالمسرح العربي وبعد الاستقلال عين مديرا للمعهد البلدي للموسيقى. كما أسندت له مهمة إدارة معهد الفنون الجميلة. ويعد محيي الدين بشطارزي أحد الأقطاب المؤسسين للحركة المسرحية الجزائرية، فلم يقف عند حد التأليف المسرحي والتمثيل والإخراج والغناء، بل وضع أسس المؤسسة المسرحية الجزائرية. فقد أنشأ فرقا مسرحية عديدة، وكون جيلا مسرحيا وترك محييي الدين تراثا مسرحيا ضخما. توفي عام 1986 بالجزائر عن عمر يناهز 88 سنة تاركا سجلا حافلا بالأعمال كما دون مذكراته في ثلاث مجلدات ساهم محيي الدين بشطارزي من خلال العروض التي كان ينظمها في عدة مدن داخل الجزائر من توعية الجزائريين بظروفهم ولحظتهم التاريخية واضعا الفن في خدمة القضايا الكبرى لمجتمعه، وقد تمكن بفضل عبقريته من تخطي حواجز رقابة الإدارة الاستعمارية على أعماله في الثلاثينيات والأربعينيات حيث ترك بشطارزي ما لا يقل عن مئة عمل مسرحي. وإضافة إلى المسرح، برع بشطارزي في جميع الأنواع الموسيقية من المديح الديني والحوزي إلى العروبي والأندلسي، وفي سجله أزيد من أربعمئة قطعة موسيقية، فقد كان لبشطارزي دور في بروز عدد من الأصوات التي سيكون لها لاحقا صيتا على ساحة الفن الجزائري على غرار "مصطفى سكندراني" و"الهاشمي قروابي" و"أحمد وهبي"... كما كان له الفضل في فرض الأصوات النسائية في المشهد الفني فكان الراعي لعدد من الأصوات النسائية مثل كلثوم، لطيفة، نورة، نورية، فضلا عن المطربة فضيلة الجزائرية. يلقبه البعض بأبي المسرح الجزائري وبعضهم الآخر يطلق عليه لقب "مؤسسة" كونه تمكن من توجيه شعب أمي إلى المسرح. وكانت العروض الهزلية في الغالب التي يقدمها رفقة فرقته وزملائه أمثال علال المحب ورشيد قسنطيني تجول ربوع الوطن وتستقطب جمهورا كبيرا. كما يعود الفضل لمحيي الدين بشطارزي في إطلاق المقاومة الثقافية للحفاظ على الشخصية الجزائرية في وجه الاستعمار الفرنسي الذي كان يضيّق الخناق على كل ما له علاقة بالثقافة والهوية الجزائرية. هكذا أخذ بشطارزي على عاتقه الترويج للفن الأندلسي والحوزي وقد منع من تسويق أغانيه التي يقول تلامذته إنها بلغت عام 1937 ما لا يقل عن 17 أغنية أغلبها مسجلة بالخارج.