منذ استلام الجزائر الدفعة الأولى من جماجم المقاومين (المجاهدين) الذين وقفوا في وجه فرنسا الاستعمارية، اشتعلت نار الحقد في قلوب بعض اللوبيات التي لا تزال تحن إلى الجنة المفقودة "الجزائر فرنسية"، وهو ما تجلّى من خلال تصريحات بعض الموسومين بالصحافيين. أحدث بشاعة في هذا السياق، هي تلك التي جاءت على لسان الصحفية الفرنسية، فيرونيك جاكيي، التي وعلى الرغم من اقتناع مختلف الرؤساء الفرنسيين منذ عهد نيكولا ساركوزي، وحتى الحالي، إيمانويل ماكرون، بأن الاستعمار كان بمثابة "الجريمة"، إلا أن أمثال "فيرونيك"، لا زالوا يعيشون في أوهام الماضي المزيف. الصحفية إياها وعبر قناة "سي نيوز" تقيأت الكثير من الأحقاد، وذهبت بعيدا في ذلك لحد تبريرها للاستعمار الفرنسي للجزائر، في الوقت الذي تبرأ جل الفرنسيين تقريبا من هذا الجرم، الذي لا يزال يجلب لهم المعرة والخزي وسط الأمم. "فيرونيك" قالت الكثير، لكن، أسوأ ما صدر عنها هي محاولة تمجيدها ممارسات المستعمر الحاقد، والتغطية على جرائم القتل والإبادة والتهجير والمسخ والإحلال، حين راحت تتحدث عن الجسور والطرقات، والمستشفيات، التي شيدت خلال حقبة الاحتلال، بل وذهبت بعيدا وبوقاحة أكبر، عندما طلبت من الضحية أن يعتذر للجلاد. ما صدر عن هذه الصحفية لا يختلف كثيرا عما قالته زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، عندما غرّدت قبل أيام بخلفياتها العنصرية زاعمة أن "القادة الجزائريين يطالبون باعتذار عن الماضي من أجل إخفاء الحاضر". وعندما تقول هذه الصحفية المحسوبة على الذراع الإعلامية لليمين المتطرف، إن "الجزائر لم تكن شيئا يذكر قبل عام 1830″، يذكرها الجزائريون بأن بلادهم كانت المخزن الذي موّن فرنسا وأوروبا بالحبوب، عندما لم يجدوا ما يسدوا به جوعهم، وأن الحصان الجزائري الأصيل هو الذي جهز به نابليون بونابرت جيشه في الحروب الطويلة والمريرة التي خاضها. على الصحفية اليمينية أن تقرأ ما كتبه المؤرخون النزهاء، وما قاله السياسيون المعتدلون من بني جلدتها، لتدرك أن عام 1830 لم يكن بداية لتمدين الجزائريين كما زعمت، بل بداية لسلسلة من الجرائم التي تقززت منها الإنسانية ولا تزال، والتي أودت بحياة نحو خمسة ملايين جزائري على مدار فترة الاحتلال الفرنسي البغيض، والتي تسببت كما هو معلوم، في الرفع من نسبة الأمية بين الجزائريين إلى مستويات خيالية بسبب ممارسات تسقط عن صاحبها سمات التحضر والانسانية والحرية والمساواة والأخوة. وعندما تتبجح هذه الصحفية وتتحدث عن إيجابيات الاستعمار، عليها أن تتذكر بأن الجزائريين وجدوا بلادهم غداة الاستقلال مجرد أطلال، خالية من بُنى تحتية ومدارس ومستشفيات، ولم يجدوا إلا جامعة واحدة بنحو 800 طالب فقط، بسبب سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها جيش الاحتلال خلال سنوات الثورة التحريرية بالأخص، لقمع الجزائريين وثنيهم عن خيار التحرر الذي انخرطوا فيه. ما يؤلم اليوم فيرونيك وغيرها من أمثالها الدمويين، الذين يحاولون تبرير الجرم ضد الإنسانية المقترف في حق أبرياء عزل، هو أن تضحيات الجزائريين قضت على الذين حلموا ببقاء الجزائر فرنسية، وأعادت لهذا البلد الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، عظمته التي استلبت ل132 سنة، وهو اليوم لا يزال يتعافى من تركة الاستعمار البغيض، ويعكف على بناء دولته التي أراد البعض إلحاقها بدولة أخرى لا يربطها بها، لا التاريخ ولا الجغرافيا، اللهم إلا ما خلفته تلك الحقبة اللعينة من جسور إنسانية لا يمكن تجاهلها.