مشروع "كبير" للاستثمار الفرنسي في الجزائر يُعلن عن فشله، إنه "رونو الجزائر". فبعد ست سنوات فقط من بداية النشاط، يتجه هذا المشروع الذي انطلق في صخب إعلامي ودبلوماسي كبيرين، نحو التوقف التدريجي. مؤسسة "رونو الجزائر" قررت تسريح ما بين 400 و800 عامل من مجموع ألف و200 عامل، يشكلون تعداد فريق العمل الذي ينشط على مستوى مصنع تركيب السيارات بوادي تليلات بالقرب من وهران، والسبب المصاعب التي يعاني منها. القائمون على المصنع خيروا ثلثي فريق العمل بين "المغادرة الطوعية" أو تفعيل الإجراءات القانونية المحددة للتسريح القسري في القانون الجزائري، تحسبا للمرحلة المقبلة والتي ينتظر أن تدخل حيز التنفيذ في الفاتح من شهر سبتمبر المقبل. "رونو الجزائر" كانت قد عبرت عن توجهها نحو تقليص عمالها بنسبة الثلثين، في 23 جويلية المنصرم، وعرضت على العمال الدائمين "المغادرة الطوعية" مقابل ما يعادل أجرة شهر ونصف عن كل سنة عمل، أو الذهاب الاضطراري إلى "التسريح الاقتصادي"، غير أن العمال تصدوا له بقوة، واشترطوا على المسؤولين الدخول في حوار من أجل الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين. لكن المؤسسة عادت الخميس المنصرم لتؤكد على مُضيها قُدما في مشروعها لتسريح العمال، وهو توجه ألمحت إليه الشركة قبل نحو ستة أشهر، عندما أعلنت في فبراير المنصرم إغلاق مصنعها إلى أجل غير مسمى، متحججة بما عرف بقضية "آس كا دي" و"سي كا دي"، وهي اليوم تنتظر دفتر الشروط المتعلق بتركيب وتصنيع السيارات، الذي تعده الحكومة. ويعتبر مصنع "رونو الجزائر" الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من نوفمبر 2014، ثمرة استثمار فرنسي وفق قاعدة 49/ 51، تسيطر فيه الجزائر على النسبة الأكبر، موزعة بين المؤسسة الوطنية للسيارات الصناعية بنسبة 34 بالمائة، و17 بالمائة للصندوق الوطني للاستثمار، فيما تسيطر "رونو" على النسبة المتبقية والمقدرة ب49 بالمائة. والمصنع يتربع على مساحة 151 هكتار، وقد تم تدشينه في مشهد استعراضي حضره عن الطرف الجزائري، الوزير الأول المسجون، عبد المالك سلال، ووزير الصناعة والمناجم الهارب، عبد السلام بوالشوارب، وعن الطرف الآخر، وزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون (الرئيس الحالي)، ووزير الخارجية لوران فابيوس، وبحضور الرئيس المدير العام السابق لمجمع "رونو"، كارلوس غصن، الهارب بدوره من العدالة اليابانية. المؤسسة وقبل أن تغلق أبواب مصنعها مؤقتا، كانت تنتج ثلاثة أنواع من علامة "رونو" هي "سامبول"، و"كليو4" ، و"داسيا سانديرو ستيب واي"، وكانت قد احتفلت في 12 سبتمبر من عام 2017، وصول عدد السيارات التي أنتجتها إلى 100 ألف سيارة. ما يعيشه "رونو الجزائر" منذ أشهر كان متوقعا بالنظر لولادته القيصرية، فالمشروع لم يكن اقتصاديا بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما كان مشروعا "سياسيا" لنظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة. فقد انطبع لدى المراقبين والرأي العام، أن الجزائر في عهد بوتفليقة كانت منطقة نفوذ خالصة للطرف الفرنسي الذي حصل على امتيازات مالية وسياسية وثقافية، لم يكن يحلم بها في حتى في دول الموز الإفريقية، ومع ذلك لم يقدم على إنجاز مشروع استثماري ناجح يمكن أن يحفظ ماء وجه "نظام بوتفليقة" لارتمائه في أحضان باريس. ووفق مطلعين على هذا الملف، فإن مصنع وادي تليلات لم يكن ليُنجز لولا إصرار المفاوض الجزائري، الذي انزعج كثيرا من إقامة العملاق الفرنسي لمصنع كبير له في طنجة بالمغرب، بالرغم من أن ما كان يبيعه "رونو" في الجزائر من سياراته، يفوق بأضعاف ما كان يبيعه في المغرب، ولذلك جاءت الاستجابة الفرنسية باردة وبشروط مخزية، لأن المفاوض الجزائري كان يبحث عن إنجاز يواجه به الرأي العام المحلي، ولو كان هذا المشروع وهميا.. وها هي النتيجة. فقد أكد وزير الخارجية الفرنسي حينها، لوران فابيوس، في ندوة صحفية بالجزائر، أن مصنع وهران لن يبيع منتوجه خارج الجزائر، عكس مصنع المغرب، بحجة أن ذلك يؤثر على اليد العاملة في فرنسا (…)، يضاف إلى ذلك نسبة الاندماج التي لم تتعد السبعة بالمائة وفق مختصين، بالرغم من أن دفتر الشروط يتحدث عن نسبة خمسين بالمائة في خمس سنوات، وهذا كله يعتبر إهانة للجزائريين..