لم يبالغ القياديُّ الفلسطيني المعروف صائب عريقات حينما قال إنّ المنطقة تشهد بعد توقيع اتفاق التطبيع الإماراتي الصهيوني بواشنطن ميلادَ "حركةٍ صهيونية عربية" تحاكي في أفكارها الحركة الصهيونية المسيحية المتطرِّفة، حتى بتنا نقرأ تغريدات من مثقفين وأساتذة جامعات تطفح كراهية وحقدا على الشعب الفلسطيني وتشوِّه سمعته وتحاول تكريه العرب فيه، حتى قال أحدُهم للصهاينة المحتلين "أنتم أفضل من الفلسطينيين، وأنتم الأحقُّ منهم بالوجود"! حتى بعض المحسوبين منهم على "الدعاة" و"الفقهاء" انخرطوا في هذه الحملة القذرة ضدّ الفلسطينيين، وبدت من أفواههم الكثيرُ من البغضاء التي صدموا بها متابعيهم الذين طالما خدعوهم بمُسوح التقوى الزائفة؛ إلى درجة أنّ "داعية" معروفاً هاجم الفلسطينيين بضراوة وقال إنّ "الصهاينة أشرفُ منهم"، قبل أن يقدِّم اعتذاره ل"كلّ رجل إسرائيلي أساء إليه يوما"؟! هذه النذالة والخسّة التي كشفتها الأيام، ولله الحمد، ذكّرتنا بذلك الكاتب الخليجي المتصهين الذي عاتب نتنياهو بشدّة لأنه رفض إبادة الفلسطينيين بأسلحته الحديثة، كما ذكّرتنا بكتّابٍ ومثقفين آخرين تبنّوا الرؤية الصهيونية للصراع، فجنّدوا أقلامهم المسمومة للطعن في القضية الفلسطينية العادلة وإنكارها تماماً وترديد الإدّعاءات الصهيونية بأحقّيتهم التاريخية المزعومة في فلسطين، وحتى في القدس والمسجد الأقصى، فرأينا كاتبا فاجرا ينزع عنه صفة البركة، ويصرّح بأنّه "أصلا معبدٌ يهودي، وهو غير مبارَك، بل إنّ مسجدا صلّوا فيه في أوغندا أكثر بركة منه"، وكأنّه بذلك يكذّب قوله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"! الحركة الصهيونية العربية تولد إذن وتعلن عن نفسها جهارا نهارا، بكلّ تبجّحٍ وصفاقة وفجور ووقاحة، مع توقيع اتفاق التطبيع الإماراتي الصهيوني في واشنطن، في 13 أوت 2020، لكنّ إرهاصاتها ظهرت في السنوات الأخيرة التي بدأت فيها البغضاء تتدفّق من أفواه الأعراب باتجاه الفلسطينيين المستضعَفين الذين يدافعون عن وطنهم والقدس وقبلة المسلمين الأولى نيابةً عن 1.7 مليار مسلم، ثم تطوّرت إلى جيوشٍ إلكترونية منظّمة مَهمَّتُها شنّ حملات كراهيةٍ حقيرة ضدّ الفلسطينيين، قلّ نظيرُها في التاريخ. في سنة 1979 وقّعت مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الاحتلال، فطفق الكثيرُ من كتَّابها ومثقفيها يبرِّر التطبيع ويتحدّث عن عودة سيناء إلى مصر بلا قتال، وعن أنّ الاتفاق سيجعلها تتفرّغ للتنمية بعد حروب طاحنة مع الاحتلال، ونأى أغلب كتّابهم ومثقفيهم بأنفسهم عن مهاجمة الفلسطينيين، والأمر نفسه تكرّر مع الأردن بعد توقيعها اتفاق واد عربة في 1994، إذ كان هناك تبريرٌ للتطبيع من دون سقوطٍ في هوّة التحامل على أشقائهم، بل إنّ مثقفين كثيرين في هذين البلدين لم يفتأوا يهاجمون الاتفاقين ويؤكدون أنّهما ليسا في صالح البلدين على جميع الأصعدة، ومنها الاقتصادية، وها هي الأيام تثبت صحّة كلامهم؛ إذ لم يزدد البلَدان إلا تخلّفا وفقرا.. فما بالُ مثقفي الإمارات وبعض بلدان الخليج ينخرطون في حملة شيْطنَةٍ مقيتة للأشقاء الفلسطينيين ويُبدون ودّا كبيرا وغير مسبوقٍ للصهاينة، سفّاحي الحروب، وقتلة الأطفال، ومغتصبي الأراضي، ومدنّسي المقدّسات؟ لماذا قررت هذه "النّخب" أن تتصهين وتدافع عن الاحتلال ومزاعمه وجرائمه وتهاجم الضحايا أصحابَ القضية العادلة بدل أن تقف في صفّهم؟ في جميع الأحوال، قد تُلحق هذه الحركة الصهيونية العربية الجديدة ضررا آخر بالقضية الفلسطينية المنكوبة بخيانات أشقائها لها، ومؤامراتهم المستمرّة ضدّها، لكنّ مفتاح حلّها يبقى في يد الفلسطينيين وحدهم.