في هذا الجزء من الحوار، يتحدث الشيخ ڤمازي عن رسالة علي بن حاج الشهيرة التي يقول بشأنها إن السلطة قدمت مقاطع منها فقط، وأن حقيقة مضمونها كان السعي للإتصال بالمسلحين لإيجاد حل سياسي تفاوضي مع السلطة، كما تحدث عن حضور أحمد أويحيى لثلاث جلسات حوار مع شيوخ الفيس المعتقلين، وعن مشاركة أنور هدام في سانت ايجيديو وعن رؤية الجبهة لأرضية روما، كما يتحدث لأول مرة عن مبادرة سعى إليها قادة الفيس قبل سانت ايجيديو للدعوة إلى هدنة مؤقتة تسهيلا لمساعي الحوار والوصول إلى حل سياسي للأزمة. القصّاصات عندما وزّعت في جلسات الحوار هل كان ذلك على أساس أنّ فيها إدانة لكم؟ لما وزعت على الأحزاب لم يبلغنا من أحد منها أن فيها إدانة. وأعتقد أنه كان فيها عرض حال عن زيارات، فمثلا التقينا بن خدّة وآخرين، ثمّ انقطع ذلك المسار عدة شهور ليستأنف في الصيف. وكانت هناك رسالة في أوت 94 من الشيخ عبّاسي إلى الدكتور يوسف الخطيب وبعدها جاء وزاره في السجن كاستجابة لتلك الرسالة، فكانت تلك المبادرة انطلاقة لعودة الحوار مرّة أخرى، وأيضا كانت هناك رسالة أخرى يوم 06 سبتمبر 94 وقع عليها شيوخ الجبهة الاسلامية الخمسة وأبدينا فيها تصورنا للحل بشكل مدروس ومسؤول واستعدادنا له.
ما الذي اقترحتم فيها مثلا؟ أبدينا فيها استعدادنا للوصول إلى حلّ شرعي شامل وعادل للأزمة السياسية، وقلنا فيها أنّنا جزء من قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولسنا كل القيادة، فلابد من تمكيننا من الاتّصال بجميع من له مسؤولية في الجبهة الإسلامية للإنقاذ أينما كان بعد المحنة والتشريد في الداخل أو في الخارج، لنتعاون في تحقيق الحلّ.
إلى من أرسلتموها ؟ وجّهناها إلى السلطة عن طريق إدارة السجن، وبعدها في ذلك الأسبوع من سبتمبر جاء اتّصال آخر من ثلاثة رجال من السلطة وهم الجنرال الطيّب دراجي والجنرال بتشين ومعهما أحمد أويحيى لإجراء اللقاء، فوافقنا وقلنا أنّكم تأتوننا ثم تعودون إلى منازلكم ونحن في السجن، والسجين فاقد المسؤولية فنقلونا إلى مكان اللقاء في إقامة خارج السجن بواسطة سيارة إسعاف وهي إقامة قريبة من البليدة، فكان هناك لقاء أوّل وثان وثالث.
وطلباتهم هي توجيه بيان لوقف العمل المسلح؟ لم نبق في البيان وإنّما ذلك كان في اللقاء مع زروال وتجاوزناه وصارت هناك قناعة خاصة بعد تفاقم الأوضاع أن الأزمة السياسية لابد أن تحل سياسيا بتظافر جهود المخلصين من أبناء الوطن بما فيه إشراك قيادة الجبهة الاسلامية. وفي الأخير توصّلوا إلى نتيجة حيث قالوا بأنّهم سيطلقون سراح ثلاثة منّا ويوضع الشيخان عبّاسي وبن حاج في إقامة تابعة للدولة حيث قالوا إنه مكان محترم، وتكون لنا فرصة للاتّصال بمن يمكن أن يساهم معنا في التوصل إلى حل للأزمة من السياسييين والمسلحين بحيث يمكننا التنقّل وحتّى الحصول على جواز السفر والاتّصال برابح كبير والإخوة في الخارج ويبقى الشيخان في الإقامة ونتعاون جميعا.
هل في الثلاثة بوخمخم وعلي جدّي؟ علي جدّي وبوخمخم أفرج عنهما ولم يبق إلا شيقارا وعمر عبد القادر وأنا. ففكرنا في هذا على أساس أن سجننا كان إجراء تعسفيا ظالما ولا يحق أن يبقى أي واحد منا في السجن، وفي الأخير بعد المناقشة قبلنا بهذا الاقتراح.
كم بقيا على هذه الحالة؟ من 13 سبتمبر94 إلى 12 جانفي 95 لأنه بعد 11 جانفي كان التوقيع على العقد الوطني في روما والذي غضبت السلطة من مشاركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ فيه وأوقفت الحوار، وعند ذهابنا لزيارة الشيخين في جنان المَفتي لم نجدهما.
لو تحدّثنا عن مهمّتكم من لحظة الخروج؟ أذكر أنّنا التقينا مرة في جنان المَفتي وكنّا سبعة أشخاص، وذلك قبل أوّل نوفمبر بأيام وكان اقترح الشيخ عبّاسي والشيخ علي بن حاج أنه ما دامت ذكرى أوّل نوفمبر على الأبواب فنحاول أن نقترح شيئا كمبادرة ومنه اقتراح هدنة.
اقتراح من الشيخين لوقف إطلاق النّار بين الجماعات المسلحة والنّظام؟ نعم، وهذه الهدنة نبادر بها وتعرض على الاخوة ولكن لابد من الاتّصال لإنجاح هذا المسعى، وبالمناسبة فالشيخ علي بن حاج كتب رسالة مطوّلة في جنان المَفتي في أحكام الهدنة والصلح. ولمّا أوقفت السلطة الحوار وجدت تلك الرسالة، فالسلطة فهمت من الرسالة أنّ الرجل عنده فكر يسعى إلى الصلح والهدنة عكس من يقول لا حوار ولا هدنة ولا صلح ولا شيء ووظّفتها لأنّه بعد ذلك نشرت مقاطع منها في الإعلام وقدّمت أيضا للإخوة في الجيش الإسلامي للإنقاذ بأنّ الشيخ علي بن حاج يقول بالهدنة والصلح. فنحن لمّا فكرنا في اقتراح موضوع الهدنة وتمّ الاتّفاق فيما بيننا جاء تدخّل السلطة وقالوا إنهم وجدوا رسالة للشيخ علي بن حاج عند الشريف قواسمي أمير الجماعة المسلحة ونشرت بعد ذلك في الإعلام.
هل هي رسالة الهدنة؟ لا، هي رسالة قصيرة من الشيخ علي بن حاج الذي كان يسعى لربط الاتصال بالإخوة خاصة الجدد منهم ممن لم يكن يعرفهم في فترة عمل الجبهة الاسلامية، ويرى أن هذه المراسلات تساهم تقريب المفاهيم وتساهم في تيسير تحقيق أي مسعى لحل يظهر في الأفق.
السلطة تقول بأنّها وجدت رسالة عند شريف قواسمي يقول فيها علي بن حاج بأنّه راغب في الالتحاق بالعمل المسلح؟ هي قراءة أمنية لهذه الرسالة لأنّ الشيخ علي بن حاج يرى أن من وسائل الحل الاتصال بالإخوة حيثما وجدوا ومناقشتهم في المسائل الشرعية والتوصل الى حلّ شرعي سياسي يجنّب الأجيال التطاحن في المستقبل. وبها انقطع الاتّصال مرة أخرى وكانت في ليلة أوّل نوفمبر وفيها أعلن الرئيس زروال أنّه بعد سنة سيجري انتخابات رئاسية، فتوقّف الحوار مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ بسبب هذه الرسالة.
ما فحوى هذه الرسالة بالضبط؟ لو تقرأها تفهم منها بأنّه يقول ما معناه لو يطلق سراحي سآتي إليكم لمناقشة سبل الحل لأنّه يعرف بأنّ الحلّ لا يكون من خلال نداء ولابد من الاتّصال والأخذ والرّد خصوصا وأن هؤلاء الناس لا تعرفهم، فيجب أن تسمع منهم ويسمعوا منك، لكن القراءة الأمنية قرئت عكس ذلك، ورحم الله عبد الحميد مهري إذ يقول بخصوصها "صحيح أن رسالة الشيخ علي بن حاج قد وزعت على الأحزاب الحاضرة. ولكن مثل هذه الرسالة كانت موجودة أيضا قبل ندوة الوفاق الوطني وقبل اتصال وزير الدفاع بالشيوخ,وماذا يمكن أن نستنتج من قراءة هذه الرسالة، غير ما يعلمه الناس جميعا من مواقف كاتبها وطريقته في التعبير عن آرائه".
كان بالتنسيق معكم وكنتم شركاء في الفكرة أم أنّكم دعيتم كغيركم ؟ الفكرة لم تكن منّا ولكن علمنا بها كما علم بها غيرنا، لأنّ المعلوم في ذلك الوقت أنّ مؤسسة سانت إيجيديو كانت سببا للصلح في موزنبيق ووقف المواجهات. وكذلك بالنسبة للجزائر، فقد حاولت رعاية ذلك، فهي كانت تعمل على أساس أنّ لها سوابق في هذا المجال بمحاولة الصلح وفك النّزاعات، فدعت المعارضة الجزائرية وحضرها في اللقاء الأوّل عبد الحميد مهري ونحناح رحمهما الله وجاب الله ولويزة حنّون والدكتور أحمد بن محمد والشيخ الحسين سليماني وغيرهم من وجوه المعارضة ومنها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
الشيخ سليماني توفيّ ؟ نعم، توفي وحضرنا جنازته المهيبة في المدية وكان شيخا جليلا فاضلا مجاهدا عالما بلغ من العمر مائة سنة، ومع ذلك كان لا يكل ولا يمل في حله وترحاله، فكان مثالا يحتذى به لدى الشباب في التفاني في خدمة الدين والوطن. طيب الله ثراه ورحمه رحمة واسعة.
كان فيه قيادات أخرى ضد سانت ايجيديو .. مثلا كيف كان موقف رابح كبير؟ لم تكن هناك قيادات معارضة داخل الجبهة الإسلامية وكان هناك اتّصال حتّى برابح كبير، وحتّى النصوص كانت تعرض على الجميع وأيضا المشروع التمهيدي عرض حتّى على الشيوخ عن طريقنا، فنبلّغهم النصوص ليراجعوها حتّى يكون هناك إمضاء مشترك بين الأحزاب المشاركة.
كان عندكم وسيلة اتّصال مباشرة بالسلطة ولم تكونوا بحاجة لا إلى سانت ايجيديو ولا آيت أحمد، فلما لجأتم الى خارج الوطن؟ هذه ليست وسائط ولكنّها كانت في تقديرنا مساهمة خصوصا وأنّ الطبقة السياسية الفاعلة في الغالب، بما فيها آيت أحمد وعبد الحميد مهري رحمه الله، شاركت فيها، فهي مكسب للبلاد عندما يتّفق السياسيون، ولو أخذت بها السلطة ودعمتها لساعدت كثيرا في حل الأزمة.
السلطة كانت تقول إنّها أبدت حسن نيّة للحل السلمي فلمَ يفرض علينا حلّ من الخارج كسانت ايجيديو وهي جمعية قد لا تعرف أهدافها؟ العمل كان جزائريا محضا، ومجهود جزائريين أخذتهم الغيرة على ما آل إليه وضع الوطن، وهذه الجمعية وفرت مكانا للمعارضة كي تجتمع ولو وفّرت الدولة مكانا لاجتماع القوى السياسية آنذاك وتعاونت لكان أفضل، وحتّى من قال لماذا في روما فقد كان هناك أجوبة بأنّنا فضلنا لو أن اللقاء كان في تلمسان أو قسنطينة أو بجاية أو حتى في مكة المكرمة لكن هذا كله كان ممنوعا وهذا هو المتاح آنذاك .
بعدها رأينا مظاهرات صاخبة والرئيس زروال شدّد لهجته ضد الجبهة الإسلامية، أي أنّكم بعد سانت ايجيديو خسرتم حتّى من كان في صفّكم من داخل السلطة؟. لا، هذه الصورة غير صحيحة، فقد استؤنف الحوار في أفريل الذي يليه وكان النّاطق باسم الحكومة أحمد عطّاف، قال بأنّ أرضية روما "لا حدث" واشتهر بهذه الكلمة في ذلك الوقت، ونحن قدّرنا أنّها خطوة تساعد في الحل ولو يراجَع ما كتب في العقد الوطني تجد أنّ نصه كان إنجازا لما احتواه من معالم حل، لأنّك عندما تأتي بأحزاب مختلفة المشارب فمنها من يتبنى المشروع الإسلامي والآخر الوطني والديمقراطي ويتّفق الجميع على أرضية مشتركة، فهذا في الحقيقة مكسب، ونادرا ما يقع في الدول