باتت ظاهرة هروب الفتيات من المنزل شبح يهدد كل العائلات الجزائرية باختلاف طبقاتها الاجتماعية. حيث عرف مركز بئر خادم لإعادة تربية البنات خلال السداسي الأخير للعام الجاري قدوم 64 حالة هروب من البيت تم التصريح بها للمركز، من مختلف الأخطار المعنوية بأمر إيداع من قاضي الأحداث، بعدما ألقت عليهم الشرطة القبض بمختلف الجنح. فمنهن من تورطت في تجارة المخدرات، وأخريات اتهمن بحيازة سلاح ابيض، ومنهن من تورطن في الأفعال المخلة بالحياء، والتصريح الكاذب، وكذلك الإجهاض و زنا المحارم .كل هذا رصدته الشروق من خلال بعض العينات التي تعكس دوامة الشارع المؤلمة، التي تلتهم الفتيات الهاربات من منازلهن بحثا عن الحرية، والسعادة في العالم الخارجي، مع مراعاة عدم ذكر الأسماء لحماية سمعتهن. أنجبت من شقيقها .. واخرى من روما الى الحضيض الآنسة "س" تبلغ من العمر 18 سنة أنجبت طفلا وهي في ربيعها 17، لكنها لم تودع مركز الأحداث لكونها أم عزباء (كما تسميها الوثائق الرسمية) بل لأنها متورطة في قضية زنا المحارم، إذ أنجبت من شقيقها البالغ من العمر 15 سنة. فقد كانت تعيش في منطقة نائية من الضاحية الشرقية للعاصمة في بيت ريفي، أين كان ابن خالها الفلاح ذو ال 35 سنة يتردد عليها، حيث حدثت الكارثة بتفاصيلها. لتجد نفسها تكبر على الأفعال المخلة بالحياء، بل تعدت ذلك لتقيم علاقة مع شقيقها.و كانت فكرة الهروب من المنزل تراود الشابة كلما رأت أباها يضرب والدتها، إلا أنها في كل مرة تقلع عنها، وترجع في قرارها، معوضة حرمانها من الحنان والمعاملة الحسنة بعلاقاتها مع شقيقها. إلى أن أحسّت يوما بالإرهاق ليتبين بعدها أنها حامل، وتتقدم بشكوى لدى مصالح الأمن ضد ابن خالها على انه المسئول عن الحمل.لكن الفحوصات الطبية كشفت الحقيقة، إذ أن الوالد البيولوجي للرضيع هو شقيقها . "ل" هي الأخرى أودعت مركز الأحداث منذ 10 أشهر بأمر من قاضي الأحداث بعد تورطها في تجارة المخدرات.ترعرعت في مدينة روما الايطالية مسقط رأسها لتنتقل إلى العيش في المغرب مع جدتها بعد أن توفيت والدتها في المستشفى، و دخل والدها السجن بايطاليا .لكن جدتها اضطرت لتسليمها إلى عمها في الجزائر بعدما أصبحت مسنة و لا تتحمل أعباء المسؤولية .حيث كانت لها زوجة عمها بالمرصاد، و سعت مرارا لشتمها وتحسيسها أنها عبئ على العائلة، والأجدر بوالدها أن يتحمل مسؤوليتها.مما جعل الشابة تلجا إلى الهروب لتضع حدا للاهانات التي تتلقاها يوميا لكن لتقع في مصيدة الضياع، حيث تعرفت على شاب دلها على منزل رجل يعيش وزوجته،وابنه في ضواحي العاصمة.وجدته هذه الأخيرة مأوى مناسبا لحالتها.إذ أن البيت يحوي كل أنواع المخدرات.مما يلزم أصحابه الحرص على سمعته.أما هي فقد كانت تساعد في بيع المخدرات، و تجلب الزبائن مع مراقبة أمان الطريق. و بعد مدة عثرت عليها الشرطة لترجعها إلى منزل عمها، ويعاد إدماجها مجددا في المدرسة، إلا أنها تعودت على استهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة، مما جعلها تتغيب عن الصف وتسعى لجلب الحبوب. كثيرا ما تدخل المدرسة و هي تحت تأثير المخدرات.الأمر الذي لفت انتباه إحدى الأساتذة، التي اعترفت لها «ل" بتورطها في الإدمان من جراء ما تعانيه يوميا، لتقوم الأستاذة بتبليغ مصالح الأمن التي باشرت في التحقيق و أحيلت بعده الشابة إلى مركز إعادة التربية للبنات ببئر خادم بأمر من قاضي الأحداث.و قررت الإقلاع عن المخدرات رغم انه لم يكن سهلا عليها في البداية. و هي الآن لا تحتفظ إلا بوشم الوحدة و أول حرف من اسمها مع أثار الخدوش على أطرافها التي كانت تقوم بها كلما أحست بالحاجة إلى الحبوب. الحالة "ع" متواجدة في المركز منذ حوالي 7 أشهر، بعدما هربت من بيتها المتواجد غرب الجزائر العاصمة. ألقت عليها الشرطة القبض بتهمة الفعل المخل بالحياء.هربت هذه الأخيرة من المنزل بعد سنتين من إيقافها عن الدراسة، لما ورد والدها خبر ارتباطها بعلاقة عاطفية مع احد الشبان. لكن الشرطة عثرت عليها وأودعتها مركز إعادة التربية بإحدى الولايات الداخلية، بأمر من قاضي الأحداث لتستفيد، بعد مدة من دخولها المركز، من إدماج عائلي لدى إحدى السيدات بالعاصمة، لكنها ما لبثت لتهرب مجددا... ويلاحقها احد الشبان مخبرا إياها انه على علم بفرارها من المنزل وهددها بتسليمها إلى الشرطة إن لم ترافقه. حيث اصطحبها إلى زاوية احد الشوارع الخالية كي تعثر عليها الشرطة في حالة تلبس بتهمة الفعل المخل بالحياء.إلا أن هذه الأخيرة لازالت متمسكة برأيها، و تقسم على إعادة الكرة والفرار في حال أرجعت إلى منزلها. هربت.. فدفعت الثمن "ي"فتاة من الجنوب الجزائري في 17 من عمرها، ستدخل عش الزوجية قريبا. عانت الأمرين منذ أن فتحت عيناها على الحياة لان والدتها التي لا تحمل لها صورة في مخيلتها هربت من المنزل لكثرة الضغط الذي كانت تعانيه مع زوجها ذو السوابق العدلية، والذي يقضي اغلب أقواته في السجن .أختيها الأكبر منها سنا انحرفتا بسبب المشاكل و الخلافات المتكررة مع والدهن المدمن على الخمر و المخدرات.لتبقى "ي" تعيش مع والدها و شقيقها بعدما غادرت شقيقتيها المنزل.،هذا الأخير الذي كثيرا ما يضايقها كي تقدم له المال ليقتني المخدرات و يتهمها بتورطها بعلاقات عاطفية في حال لم تقدم له المبلغ، الأمر الذي دفع بوالدها يسلط عليها أقسى أنواع العقوبات.و بين صمودها و تعلقها بابن الجيران الذي تقدم لخطبتها لكن والده رفض ارتباطهما لسوء سمعة العائلة، تراكم عليها الغضب والحقد، وزادت من جرعة الأنسولين التي اعتادت على تحضيرها لوالدها،ليصاب بنوبة سكر وينقل إلى المستشفى حيث استغلت الفرصة لتحزيم أمتعتها،و همت بالفرار إلى العاصمة للاستنجاد بزوجة عمها إلا أن هذه الأخيرة طردتها من المنزل بعدما رفضت بيع عرضها و ذهبت للعيش مع إحدى أخواتها المتواجدة بالعاصمة، والتي انحرفت منذ وقت طويل واشتغلت معها في تجارة المخدرات.لكن ضميرها أنبها و انسحبت من هذا الطريق .و بما أن وجهها البريء يساعد على تمرير المخدرات دون لفت الانتباه ،أصر شريك آختها على ضرورة استرجاعها و أشارت عليه الأخت آن يأتيها بالحسنى لأنها فاقدة للحنان، و ما إن تجد صدرا حنونا حتى تنجر وراءه.و عادت "فعلا، إلا أنها رفضت التنازل عن شرفها أمام إلحاح شريك أختها.ولم تجد سبيلا سوى العودة إلى منزل زوجة عمها.و بعد أيام عاد هذا الأخير و دعاها إلى العشاء، ليعتذر عن كل ما بدر منه، و اقترح عليها تناول شيء من النبيذ لتروح عن نفسها قليلا.وأمام إصرارها على الرفض ناولها كأسا من العصير افقدها التحكم في أعصابها و تنازلت عن شرفها...استفاقت في اليوم الموالي، و استنجدت بأختها التي حاولت الدفاع عنها إلا انه اخبرها أن ما فعله كان تعوض 500 ألف دج ثمن البضاعة التي لم تسلمه نصيبه فيها.و تبين أن بين الأخت و شريكها ثار دفعت ثمنه "ي". فبيد أن الأخت تصرخ في وجهه و تشتمه ادخل 3 من أصدقائه و هو رابعهم ليتم اغتصابها أمام مرأى شقيقتها التي كانت غارقة في الكحول وتأثير الحبوب لما اقتحمت الشرطة المنزل. حيث أوقفوا متلبسين ،و حكم على الجاني 10 سنوات سجن، وأودعت هي المركز لحمايتها فيما خرجت شقيقتها من القضية كالشعرة من العجينة. العيادة النفسية تدق ناقوس الخطر: العائلات مسؤولة على هرب الفتيات br "زهرة بوكعولة" أخصائية نفسانية على مستوى خلية حماية الأحداث للدرك الوطني بصفتها على احتكاك دائم بهذه الفئة تلقي المسؤولية بالدرجة الأولى على العائلات التي تستعمل السلطة الأبوية في غياب جو الاتصال بين أفرادها. إذ تصنف الفتيات المعرضات للهروب إلى فئتين .فهناك فتيات تنتمي إلى عائلات طبيعية تجد فيها المراهقة نفسها مقيدة تحت الضغوطات التي تفرض عليها. في الوقت الذي تحاول فيه البنت فرض نفسها بفعل التغيرات الفيزيولوجية و النفسية التي تطرأ عليها خلال فترة المراهقة ،و إذا بها تصدم بالواقع مما يدفعها للتوجه نحو الهروب.و أخريات تعيش في عائلات لاباس بها توفر لها كل الشروط المادية ، و رغم هذا تفكر في الهروب لكونها على علاقة عاطفية بشاب يعدها بالزواج ،في هذه الحالة تلجا للهروب لتجد ظالتها ،فمن مشكل صغير تجد نفسها متورطة في مشكل كبير.كما أن هناك عائلات تفتقد لروح الاتصال بين أفراد العائلة ،و تمارس السلطة الأبوية في جو خال من الاتصال ،مما يولد الضغط، وأمام تأثير وسائل الإعلام تجد نفسها في سجن بيد أن العالم الخارجي في جنة وتفكر في الهروب من المنزل لتعيش حياتها. أما الفئة الثانية وهي فئة الأطفال غير الشرعيين. تتبناهم عائلات منذ الطفولة وتختلط عليهم الأمور ما إن يكتشفوا أنهم مجهولي الهوية حتى يهمون بالهروب.إذ يرون فيه منفذهم الوحيد أمام الإحساس بانكسار الذات، و الشكوك التي تسيطر على حياتهم. في هذه الحالة يعد هروب البنت و كأنه نوع من الانتقام.و تشدد الأخصائية زهرة بو كعولة في هذه الحالة على ضرورة التعامل مع الطفل المتبنى بطرق سيكولوجية و تحضيره طيلة فترة النمو كي لا تشكل الحقيقة صدمة له في سن المراهقة. رأي الدين في هروب المراهقات: "الأولياء يتحملون تبعات هروب أبنائهم" و في الشق الديني لقضية هروب الفتيات من منازلهن يفيد الدكتور "جلول قسول " إمام مسجد القدس بحيدرة (العاصمة) و إطار بوزارة الشؤون الدينية أن نظرة المجتمع الجزائري و تعامله مع الفتاة مخالفة تماما لديننا الحنيف الذي حفظ لها جميع حقوقها. فالإسلام حث على توفير جميع الحقوق المعنوية للفتاة من حب عطف، حنان، ورحمة لقيام حياة نظيفة و كاملة من جميع النواحي لقوله تعالى "إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت"، والقتل هنا مقصود به الحسي و المعنوي. إذ أن هضم حقوقها يعد قتلا معنويا لها.ففي هذه الحالة تكون قد وئدت و قتلت معنويا بمجرد أنها حرمت من تصرفات سمحت لها في الصغر و ما كان يجدر بها ان تتعلمها لتحرم منه في سن المراهقة ،و هو ما يحسسها بظلم و حمولة وقعت عليها لا تستطيع مقاومتها في ظل المظاهر الاجتماعية التي ترى فيها ذروة الحضارة .فالإسلام أعطى قداسة للبنت التي ستصبح امرأة في المستقبل.مسجلا أن غالبية الفتيات الهاربات من البيت فقيرات ،سواء كان في المال،في الدين ،أو حتى التربية و ليس لديهن ثقافة دينية مما يولد لديهن إحساس بالحرمان و الاضطهاد في بيوتهن خاصة و أن العائلة تعامل الفتاة بعد بلوغها و كأنها عبأ يجب إخفاؤه، و تحرم هذه الأخيرة من ابسط حقوقها التي تتمتع بها نظيراتها في المجتمع. الأمر الذي يضطرها للخروج إلى الشارع بدافع الانتقام من نفسها و من عائلتها و حتى المجتمع . فيما يكمن العلاج الديني لهذه الظاهرة في تحمل الآباء لثقل أمانة الأبناء بتعليمهم و حسن تربيتهم و الحرص على المساواة بين الذكر و الأنثى في المعاملة بتوزريع الرحمة و العاطفة على الابناء مع اعطاء عناية خاصة للبنت .فرغم ان الفتاة المراهقة تجازى على خطئها لارتكابها المعصية الا ان الحكم يقع على الوالدين و يتحملوا مسؤولية الخطيئة لعدم توجيههم لها. و على العائلة التي تبتلى بمثل هذه المشاكل ان تقف مع البنت في محنتها لانها تمر بمعاناة .فمادامت البنت اقبلت على الهروب يعني انها تمر بمعاناة و يجب التصرف معها بحكمة و موعضة حيث يستحسن التكلم معها عندما تخطيء والرفق بها و الحرص على تعليمها و عدم تركها تستقي معلوماتها من الشارع لقوله تعالى"و ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما". ريم.أ