برمجت الإدارة الأمريكية زيارة لمساعد وزير الخارجية المكلف بشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، إلى الجزائر، وهي الزيارة الثانية من نوعها لمسؤول أمريكي سام في ظرف نحو ثلاثة أشهر. الخارجية الأمريكية أوضحت أن الزيارة تأتي ضمن جولة لشنكر، تشمل كل من المملكة الأردنية والمملكة المغربية، في الفترة الممتدة من 3 إلى 12 يناير، والهدف منها مناقشة التعاون الاقتصادي والأمني مع السلطات الجزائرية. وذكرت الوزارة عبر حسابها على "تويتر" أن شينكر، سيؤكد، خلال رحلته على "التزام الولاياتالمتحدةالأمريكية العميق بتعزيز الرخاء الاقتصادي والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وتتقاطع زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي المرتقبة إلى الجزائر في غضون هذا الأسبوع، مع زيارة وزير دفاع بلاده في الفاتح من أكتوبر المنصرم، في كون المسؤولين الأمريكيين حطا الرحال بالجزائر قبل أن ينتقلا مباشرة إلى الرباط، ما يرجح فرضية وجود ملف يعني البلدين ومعهما الولاياتالمتحدة. لكن زيارة مارك اسبر إلى المغرب أثمرت بعد شهرين، بتطبيع نظام المخزن مع دولة الكيان الصهيوني، تبعتها رسالة نصية قصيرة عبر حسابه على "تويتر" اعترف من خلالها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بالسيادة المزعومة للمغرب على الأراضي الصحراوية المحتلة. أما بالنسبة للطرف الجزائري فلم تحمل زيارة إسبر، أي تساهل في موقفه الصارم بشأن التطبيع، وتجلى ذلك من خلال المواقف الرسمية والشعبية والحزبية، والتي اتفقت على وصف ما قام به نظام المخزن، بالخيانة غير المبررة للقضية وللشعب الفلسطيني، تماما كما كان الحال مع أولى الدول المطبعة، ممثلة في الإمارات العربية المتحدة والبحرين. ويتذكر هنا الجزائريون عبارة الرئيس عبد المجيد تبون الشهيرة والتي قال فيها إن "الجزائر لا تبارك التطبيع وترفض الهرولة إليه". وبالمقابل، تسببت "تغريدة" ترامب، الذي "أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق"، في غضب جزائري أثر بشكل كبير على دفء العلاقات الجزائريةالأمريكية، التي لم تكن بحاجة إلى موقف متهور كذلك الذي أقدم عليه نزيل البيت الأبيض. ومعلوم أن العلاقات الجزائريةالأمريكية وإن كانت تمس العديد من المجالات، إلا أن البعد الأمني يغلب على أجندتها، فخلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة، التي كانت الأولى منذ عام 2006، تحدث مارك إسبر عن إحياء ما وصفه "التحالف بين دولتين تربطهما مصالح إستراتيجية مشتركة في مواجهة الجهاديين في منطقة الساحل والنزاع في ليبيا". ومن تصريح مارك إسبر، يتبين أن الجزائر تعتبر شريكا استراتيجيا لواشنطن في المجال الأمني، ولا شك أن هذه الشراكة تكون قد تضررت جراء "تغريدة ترامب" غير المدروسة بشأن الصحراء الغربية، ويتضح ذلك من خلال بيان وزارة الشؤون الخارجية، الذي أكد أن تلك التغريدة "لا أثر قانوني لها على الواقع، لأنها تتعارض مع لوائح الأممالمتحدة"، وهذا الرد في حد ذاته، يعني دخول العلاقات الجزائريةالأمريكية في أزمة، وإن لا تزال صامتة. ولأن الإدارة الأمريكية تخطط لأبعد من أنف الرئيس المنتهية ولايته، فيبدو أنها أدركت حجم الورطة التي وضعها فيها قرار ترامب بخصوص القضية الصحراوية، وأثر ذلك على علاقاتها الإستراتيجية مع الجزائر، التي تعتبر قضية الصحراء الغربية امتدادا لأمنها القومي، وفق ما جاء على لسان مسؤول سام في الدولة. ومما سبق، يمكن القول إن مساعد وزير الخارجية الأمريكي، سيتباحث مع المسؤولين الجزائريين، كموفد من الدولة العميقة في أمريكا لإصلاح ما أفسده تهور ترامب، وليس كممثل للرئيس الذي لم يتبق له سوى أسبوعين فقط في البيت الأبيض، تاركا أزمات ومطبات عن قصد وإصرار للرئيس الجديد جو بايدن.