يسلم الأربعاء رسميا، المؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، تقريره حول الاستعمار الفرنسي للجزائر، إلى الرئاسة الفرنسية، التي كانت قد كلفته بإنجاز هذا العمل قبل نحو ستة أشهر، في إطار مساعي باريس إلى طي صفحة ماضيها الأليم مع الجزائر. ويتضمن تقرير المؤرخ الفرنسي، وفق قصر الإيليزي، مقترحات وتوصيات يراها الطرف الآخر ضرورية من أجل إنهاء "حرب الذاكرات" بين الجزائروباريس، والتي كثيرا ما تسببت في تسميم العلاقات الثنائية. وكانت الرئاسة الفرنسية قد أكدت في وقت سابق أن التقرير الذي كلف به بنجامان ستورا حول الذاكرة، سيسلم إلى قصر الإيليزي قبل نهاية الشهر الجاري، وهو ما يؤكده إعلان السلطات الفرنسية عن جاهزية هذا التقرير. وقال الإيليزي حينها إن ستورا أوكلت له مهمة إنجاز "تقييم موضوعي ودقيق حول العمل المنجز من قبل الفرنسيين على صعيد الاستعمار الفرنسي للجزائر". ولم تتسرب أية معلومات عن مضمون التقرير الذي أعده ستورا، وكل ما رشح عنها لا يتعدى بعض التوصيات تنزع نحو البعد الثقافي، والتي تبقى محدودة التأثير على وضع العلاقات الثنائية، التي تبقى رهينة تراكمات الماضي، مهما حاول البعض القفز على هذا المعطى. لكن ممثل الطرف الفرنسي أشار خلال خرجاته الإعلامية المتكررة إلى بعض المسائل، من قبيل أن تقريره "لا يعيد كتابة التاريخ"، ومحاولة "التوفيق بين الذاكرات"، وهي تصب في النهاية في خدمة مشروع الرئيس الفرنسي حول "مشكلة الانعزالية الإسلامية"، الذي يتغذى وفق رأي ماكرون، من "صدمات الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر". ومعلوم أن الرئيسين الجزائري، عبد المجيد تبون، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اتفقا الصيف المنصرم على ضرورة التوصل إلى سلام بشأن الذاكرة ويقصد بها "مخلفات وتراكمات الاستعمار الفرنسي للجزائر"، وأوكلا المهمة لكل من عبد المجيد شيخي، المستشار برئاسة الجمهورية ومدير الأرشيف الوطني، عن الجانب الجزائري، والمؤرخ بنجامان ستورا، المختص في التاريخ المعاصر للجزائر. وبينما انتهى ممثل الطرف الفرنسي من إنجاز عمله، لا يزال مصير تقرير الطرف الجزائري غامضا، ففي آخر تصريح لعبد المجيد شيخي، والذي يعود لأقل من شهر من الآن، قال إنه لم يلتق مع بنجامان ستورا، منذ فتح ملف الذاكرة، فيما نقل عن ستورا قوله إنه أنجز عمله من دون أن يلتقي بنظيره الجزائري. وبالنسبة لممثل الطرف الجزائري، فإن الكثير من المسائل المتعلقة بالذاكرة واضحة ولا تحتاج إلى بلورتها، كما جاء على لسان مدير الأرشيف الوطني: "بالنسبة للجزائر الأمور واضحة، لأن المسائل مستقرة في وثائقنا وفي أذهاننا"، لكن ومع ذلك، لا مانع من حصول التهدئة وفق ما هو ماثل في الحقائق التاريخية. ومفاد ذلك بالمختصر المفيد: "نحن الجزائريون نعرف ما نريد، لا ننسى الماضي ولا يمكن أن نمحو الماضي، لأنه جزء لا يتجزأ من حياة الشعب الجزائري عبر العصور، نريد العودة إلى تاريخنا وتوظيف التاريخ في حياتنا اليومية"، كما قال شيخي، وهي رسالة واضحة للطرف الفرنسي مفادها أن الجزائريين لا يمكنهم نسيان ما تعرض له آباؤهم وأسلافهم، طيلة قرن و32 سنة من الاحتلال الاستيطاني البغيض.