عندما يطرح راشد الغنّوشي رئيسُ البرلمان التّونسي فكرة تحقيق نوع من الوحدة بين بعض أقطار المغرب العربي، فإنّ المطلوب هو التّجاوب مع مثل هذه المبادرات الرّامية إلى التّعاون بين بلدان المغرب العربي طالما أنّ شعوب المنطقة تجمعها روابط تاريخية وجغرافية ويجمعها المصيرُ المشترك، لكن لماذا انحصرت مبادرة الغنّوشي في الجزائر وتونس وليبيا بينما تمّ استبعاد كل من المغرب وموريتانيا؟ ويبدو أن سقوط اسم موريتانيا من مبادرة الغنوشي لم يكن بسبب حسابات سياسية معينة، حتى أن عبد الرزاق مقري قال في ندوته الصحفية أمس إن الغنوشي "نسي موريتانيا"، معبرا عن مساندته لفكرة الغنوشي بشرط أن تشمل الدول المغاربية الأربع ما عدا المغرب. لكن؛ من الواضح أنّ الغنّوشي بنى مبادرته على معطيات منطقية أساسها التّوافق السّياسي والقرب الجغرافي والتّوافق المعروف بين الجزائر وتونس وليبيا، لذلك رأى أنه من الممكن بداية التّأسيس لاتّحادٍ يكون نواةً لكيانٍ مشابه للاتّحاد الأوروبي، خصوصا بعد فشل التّجربة السّابقة لاتحاد المغرب العربي التي بدأت بقرار فوقي لم يأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع والمتمثّل في الخلافات الموجودة بين دول الاتّحاد والتي أعاقت تجسيده في الميدان. وفي الواقع؛ فإنّ إقصاء بلد عربي شقيق مثل المغرب من أي مبادرة وحدوية أمرٌ غير مستساغ من النّاحية المبدئية، لكن ما أقدم عليه المخزن باستدعاء الصّهاينة والدّخول معهم في تعاون سياسي وأمني واقتصادي وثقافي وديني… كان خنجرا مسموما في خاصرة المغرب العربي، وطعنة غادرة للجزائر. والغريب أنّ ذلك حدث مباشرة بعد موقف قوي للجزائر برفض الهرولة نحو التّطبيع. ولا مجال للشّك في أنّ المخزن تخلّى نهائيا عن مشروع اتحاد المغرب العربي بارتمائه في أحضان الصّهاينة، ودخل فيما يشبه الحلف معهم وليس مجرّد تطبيع للعلاقات، وهو بذلك أقصى نفسه من محيطه الإقليمي، ولا عجب في أن ترتفع أصواتٌ تستثني المغرب من أي مبادرة وحدوية في المستقبل، ما لم يتراجع عن مسار التّطبيع مع الكيان الصهيوني. ولا معنى لما تردِّده الدّوائر القريبة من المخزن خاصة حزب العدالة والتنمية الذي يقول على لسان عبد العزيز أفتاتي عضو الأمانة العامة للحزب بأنّ "المغرب قام بدسترة البناء المغاربي، ولم يعد خيارا سياسيا، أو استراتيجيا فقط… ونحن ملتزمون بالبناء المغاربي، ولا يمكن أن يزايد علينا أيُّ أحد في هذا الموضوع" فكيف يُبنى اتحاد المغرب العربي بفتح الأبواب للصهاينة والاستعانة بهم عسكريا وأمنيا!؟