لم تخرج إلى حد الآن دائرة الأحزاب التي أعلنت عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية المسبقة والمرتقبة في الثاني عشر من جوان المقبل، التي دعا إليها الرئيس عبد المجيد تبون، عن التشكيلات المحسوبة على التيار "الديمقراطي"، في حين تندفع بقوة نحو المشاركة، الأحزاب المحسوبة على التيارين الوطني والإسلامي، والتي تجاوزت الأربعين حزبا. حزبان فقط رسّما إلى غاية اللحظة عدم مشاركتهما في الاستحقاق المقبل، وهما كل من حزب العمال، الذي تقوده لويزة حنون، التي سبق وأن دخلت السجن فيما عرف بقضية التآمر على سلطتي الدولة والجيش، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي). المبررات التي ساقها حزب العمال، كما جاء على لسان زعيمته، هي أن نتائج الانتخابات المقبلة، محسومة مسبقا، كما قالت، لكن سبق لها وأن شاركت في انتخابات تشريعية سابقة، كانت نتائجها أيضا محسومة مسبقا، وخاصة خلال العقدين الأخيرين، عندما كانت حنون مقربة جدا من مصادر صناعة القرار، وتلتقي باستمرار مع رموز النظام السابق خلف الجدران المغلقة في الليل، ثم تأتي في النهاية وتسوق صورتها على أنها حزب معارض. وبينما تتحدث مصادر من داخل ما يعرف ب"التيار الديمقراطي" عن قرارات مشابهة لأحزاب أخرى لم تحسم بعد موقفها النهائي، في صورة حزب جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس)، وبعض الأحزاب الصغيرة مثل الحركة الديمقراطية الاجتماعية، غير أنّ هذا التوجه يبدو امتدادا لحالة الانقسام التي طبعت المشهد السياسي في المرحلة التي أعقبت اندلاع الحراك الشعبي قبل أزيد من سنتين. الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها الانتخابات التشريعية المقبلة، هي ذاتها التي لم تشارك في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر 2019 لاعتبارات خاصة بها، ما يعني أن قرار المقاطعة المعلن، ليس رفض للمشاركة في استحقاق انتخابي بعينه، وإنما معارضة لمشروع سياسي بدأ بعد استسلام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لمطالب الحراك الشعبي، وتراجعه عن الترشح لعهدة خامسة، قبل أن يرمي المنشفة لاحقا، قبل نهاية عهدته الرابعة. واللافت في الأمر هو أن كافة الأطياف المشكلة للطبقة السياسية، كانت قد التقت على طاولة واحدة خلال العهدة الرابعة في مزفران، كما عاودت اللقاء بعد اندلاع الحراك الشعبي فيما عرف بأرضية عين البنيان بالعاصمة، إلا أن هذا التقارب لم يلبث أن اندثر بعد ذلك، بسبب تباين وجهات النظر في التعاطي مع المشاريع السياسية للسلطة حينذاك. ومن بين القضايا التي فجرت التقارب بين مكونات المشهد السياسي، طبيعة المرحلة التي يتعين الأخذ بها قبل الانتخابات الرئاسية، فبينما جنحت ما يسمى أحزاب التيار الديمقراطي إلى الدعوة إلى مرحلة تؤسس فيها مؤسسات انتقالية للدولة، وفي مقدمتها إنشاء مجلس تأسيسي، رأت الكتلتين الوطنية والإسلامية أن الدخول في هذا المسار من شأنه أن يعرض البلاد إلى مخاطر قد يصعب تجاوزها، ومن ثم، تم تفضيل خيار الشرعية الدستورية من خلال الحفاظ على استمرارية مؤسسات الدولة، ما دفع أحزاب ما يسمى "البديل الديمقراطي"، إلى اتهام الكتلتين الوطنية والإسلامية، بالسير في مخططات السلطة، ومن هنا جاءت القطيعة.