صالح فلاق شبرة اختلطت الأوراق هذه السنة على العائلات الفقيرة والمحدودة الدخل بوهران بعد أن بدأ العدّ التنازلي لدخول شهر رمضان الذي صاحبه الدخول الاجتماعي، إذ تشتّت الجيوب واحتار أرباب العائلات بين الالتفات إلى اللوازم المدرسية أو مستلزمات الشهر الفضيل. لكنّ الحاجة تولد الهمّة كما يقال وبما أنّ الفقر حطّ رحاله بعدة بيوت وأبى أن يفارقها خصوصا بالأحياء القصديرية و"الدواوير" المحيطة بالمدينة، تلجأ الأمّهات أسابيع قليلة قبل دخول شهر رمضان في التحضير لبيع خبز الشعير وخبز "المطلوع" بالأسواق المحليّة، إذ يحتاج الأمر إلى مجهودات غير يسيرة للحصول على دقيق جاهز للعجن، حيث تلجأ النسوة بمناطق معزولة من بوفاطيس، بن فريحة، شطيبو وغيرها إلى شراء كميّات كبيرة من الشعير تكفي لقضاء كلّ الشهر في تجارة خبز"الشعير" بمعدّل قفّة أو قفّتين يوميا، أو يتمّ الحصول عليه عن طريق أحد الأقارب ذوي المزارع بوهران أو من ولايات مجاورة كغليزان ومعسكر، حيث كان يقيم النازحون الجدد إلى وهران في سنوات العشرية السوداء مستغنين عن كلّ ممتلكاتهم، إذ لا يزالون يحصلون على نصيب من المزروعات على أساس اتفاقات مع الفلاّحين الماكثين بأراضيهم، إضافة إلى ذلك يتمّ تخزين كميّات معادلة للحطب والوقود الخاصّ بالأفران التقليدية أو ما يعرف ب "كوشة العرب" التي تستخدم لإنضاج الخبز. قد يتفاجأ لمن يشتري خبزة شعير لسعرها المرتفع الذي يتراوح ما بين 15 و40 دج، وقد يبدو له ذلك مضاربة خلال شهر رمضان مثلما يحدث مع باقي السلع، إلاّ أنّ ذلك لا يعتدّ به ولا يقاوم اشتهائها أثناء عرضها بالأسواق، حيث يلقى خبز الشعير إلى جانب "المطلوع" إقبالا غير مسبوق، مختلف النظير، ومن جهتها تبرّر النساء هذا الارتفاع في الأسعار مقارنة مع الخبز العادي بالمجهود المضني الذي تبذلنهن من أجل تحضير قفّة تحتوي على 10 "خبزات" أو أكثر، حيث ذكرن فضلا عن غسل الشعير، تصفيته، طحنه وغربلته أنّ أيديهن تحترق كذلك يوميا بألسنة لهب "الكوشة" قبل أن يصبح الخبز جاهزا، ليكلّف أبنائهنّ ببيعه مساء بأسواق المدينةالجديدة، لاباستي، الحمري، البحيرة الصغيرة وعلى كثير من الأرصفة، حيث يكثر عليه الطلب ساعات قليلة قبل الإفطار وتجد مختلف العائلات نفسها في حاجة يومية إلى شراءه، بينما يحصل الباعة الصغار على دنانير بخسة تجمع للاستعانة بها في شراء مستلزمات الفطور أو بعض الحلويات كالزلاّبية، في حين تدّخر هذه العائلات بعض المداخيل لشراء ألبسة العيد، الأمر نفسه الذي يتكرّر في رمضان من كلّ سنة، بينما تلجأ عائلات أخرى إلى المتاجرة في الحلويات ك"البقلاوة"، "قلب اللوز" و"القريوش" من أجل تأمين مصروف الشهر. فلاق شبرة