اليوم، على خلاف الأيام السابقة، لم أنم كثيرا في النهار، لأنني نمت طويلا في الليل. كان ذلك بسبب سوء تقدير وخطأ مني: فلقد شربت اللبن الخاثر بعد الفطور مباشرة، لأني لم أجد الحليب ولا التمر ولا حاجة مهمة أشربها أو حتى أهز بها ذقني. فقط اللبن مع الخبز. كلفني ذلك أن أكون أنا "ثامن" أصحاب الكهف والرقيم، طيلة ثلاث ساعات وزدت تسعا. أي فيما مجموعه 12 ساعة من النوم الليلي. نمت في حدود 11 ليلا، لأستيقظ على الساعة 11 نهارا. وكان علي أن ألعن اللبن الذي أيقظني مع منتصف النهار، إذ كيف لي أن أكمل ما تبقى من اليوم صائما هكذا، بدون نوم؟ لم أجد ما أقوم به وما أتسلى به وأضيع به وقتي سوى التلفزيون الذي أدخلته زوجتي في رمضان للمطبخ بعد أن كان "يسكن" في البيت الثاني المسمى "صالون". معنى هذا، أني بقيت نحو 9 ساعات أمام التلفزيون وفي المطبخ وأمام زوجتي وتحت رحمة صوتها الذي لا يرحم ولا يهدأ. تلفزيون ثاني في المطبخ هي زوجتي. زدت أنا، أي ثلاثة تلفزيونات في مطبخ. 9 ساعات قضيتها في المطبخ رفقة زوجتي وهي تعدُّ الأكل. فقد جئنا لنأكل، لم نجد ما نأكله. لست أدري ماذا كانت تفعل كل هذا الوقت: قالت لي كنت أغسل "مواعين" الأمس، لأني كنت معتمدة على بقايا الليلة الماضية. لكن تفاجأنا قبيل المغرب أننا لا نملك شيئا نأكله اليوم غير اللبن بالخبز. فالحريرة المتبقية، تركت خارج الثلاجة وحمضت ورميت في آخر لحظة. وبقية لحم مفروم، أكلته القطة، عندما كنت فاتحا فمي أمام التلفزيون وزوجتي خارج المطبخ، بعدما تركت الطنجرة مفتوحة. أما قرعة "الليموناد"، فتزلعت، حين ضربت زوجتي القطة السارقة بالبشماق. والبوراك أكله الأبناء ليلا دون علم أحد. كل هذه الأشياء، جعلت من اللبن الحامض الملاذ الوحيد على سوء لذته. تسع ساعات، ليس فقط أمام الشاشة وأستمع إلى "تنقريش" زوجتي الذي لا ينتهي (لو شفتم تنقريشي أنا كي داير.. ما يكملش)، بل أمام برنامج واحد فقط: "فتافيت". تصوروا، تسع ساعات من متابعة تفاتيف حصة "فتافيت". قلبت رأس زوجتي رأسا على عقب، خاصة مع "حورية المطبخ" التي رحت أتابع أكلاتها لأنها جزائرية ووهرانية من الحمري، كما قيل لي، محامية ومتكونة في إيطاليا. زوجتي هي الأخرى تسمى حورية، لهذا رحت من حين لآخر أكلم حورية التلفزيون على أساس أني أكلم حورية المطبخ.. زوجتي يعني. رحت أقول من حين لآخر لحورية المطبخ نتاع التلفزيون: مشي هكذاك.. ما تديريش الثوم، ما نبغيهاش. والمعندونس علاش؟ وعلاش ما تمسحيش الكاصرونة مليح؟ علاش هذا الضياعة علاش؟ والله لو كانت جيتي مرتي، ما تكملي معايا الشهر. واش من دراهم يقدوا معاك؟ راكي خليتني.. زوجتي، التي لم تفهم في البداية ماذا يحدث، راحت تزعف وترعف، ثم تركتني "أنقرش" حتى قال المؤذن "الله أكبر".