السؤال: مر في جوابكم عن المرأة المعتدة من وفاة أنه يمكنها أن تفطر عند أولادها وتعود قبل العشاء، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "المعتدة عدة الوفاة تتربص أربعة أشهر وعشراً، وتجتنب الزينة والطِّيب في بدنها وثيابها، ولا تتزين ولا تتطيب ولا تلبس ثياب الزينة، وتلزم منزلها فلا تخرج بالنهار إلا لحاجة ولا بالليل إلا لضرورة"، والفطر عند أولادها ليست ضرورة ورجوعها إلى البيت لابد أن يكون قبل المغرب وليس قبل العشاء. الجواب: ما ذكره ابن تيمية مبني على مذهبه الحنبلي، وليس قرآنا ولا سنة ولا إجماعا لا يجوز مخالفته، وما ذكرته أنا في الجواب هو ما عليه مذهب المالكية، قال في المدونة: "ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها، ولها التصرف نهارها والخروج سحراً قرب الفجر، وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة"، وفي كتاب العتبية: "سئل مالك عن المرأة تكون في عدتها وهي ساكنة في دار مع أبيها، وأبوها مريض، هل ترى أن تبيت عند أبيها؟ قال: لا تبيت إلا في بيتها، قيل له: فتمكث عنده إلى نصف الليل، قال: لا تمكث عنده إلى نصف الليل وتخف المقام عنده بالليل، ولا بأس أن تخرج إليه عند طلوع الفجر أو قبله بيسير"، وعلق عليه ابن رشد في البيان والتحصيل فقال: "هذا معنى ما في المدونة سواء، وهو صحيح، لأن المعتدة ممنوعة من المبيت في غير بيتها، فلا يجوز لها أن تمكث من الليل في غير بيتها ما يسمى مبيتا، وهو أكثر من نصف الليل، ومن الدليل على ذلك أن من لقي قبل نصف الليل صح أن يسأل: أين تبيت؟ ولم يصح أن يسأل: أين بات؟ ومن لقي نصف الليل صح أن يسأل أين بات؟ ولم يصح أن يسأل أين تبيت؟ ومن أقام نصف الليل سواء في موضع ونصفه في موضع آخر، لم يصح أن يقال: إنه بات في أحد الموضعين دون الآخر، فلذلك منع مالك المرأة أن تمكث عند أبيها إلى نصف الليل، وبالله التوفيق"، وهذا الذي اعتمده مالك رحمه الله يستند إلى فعل السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، من ذلك ما رواه عبد الرزاق والشافعي في الأم والبيهقي وسحنون في المدونة عن مجاهد قال: "اسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ نِسَائِهِمْ، وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِي دَارِهِ، فَجِئْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ: إِنَّا نَسْتَوْحِشُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِاللَّيْلِ، فَنَبِيتُ عِنْدَ إِحْدَانَا، حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا إِلَى بُيُوتِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَ مَا بَدَا لَكِنَّ، حَتَّى إِذَا أَرَدْتُنَ النَّوْمَ فَلْتَأْتِ كُلُّ امْرَأَةٍ إِلَى بَيْتِهَا"، وهذا الحديث مرسل، والمرسل حجة عند جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد، وهو يتقوى بما رواه البيهقي في سننه والطحاوي في شرح معاني الآثار عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "الْمُطَلَّقَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجَانِ بِالنَّهَارِ وَلَا تَبِيتَانِ لَيْلَةً تَامَّةً غَيْرَ بُيُوتِهِمَا"، وبما رواه سحنون في المدونة بسند صحيح عن نافع: "أَنَّ ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ حِينَ تُوُفِّيَ عَنْهَا وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَتْ تَخْرُجُ بِاللَّيْلِ فَتَزُورُ أَبَاهَا وَتَمُرُّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهِيَ مَعَهُ فِي الدَّارِ فَلَا يُنْكِرُ ذَالِكٌ عَلَيْهَا وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا"، وكذلك جاء عن عائشة وابن عمر والقاسم أنهم رخصوا لها في الخروج إلى المسجد للصلاة ولا تبيت إلا في بيت زوجها، من غير فرق بين الصلوات النهارية والليلية، كل هذا يقوي رأي مالك رحمه الله ويرجحه.
السؤال: السلام عليكم فضيلة الشيخ، أنا شاب من البويرة، وأنا أصوم منذ صغري، ولكن في الأعوام الأخيرة أصبحت أنام كثيرا، أي من الساعة الثامنة صباحا إلى الرابعة مساءا، لكوني أغضب بسرعة ولا أتمالك نفسي كثيرا في هذا الشهر الكريم، فهل صيامي جائز أم غير جائز؟ وشكرا.
الجواب: الصيام صحيح، لكنك حرمت نفسك الأجر وفاتك الخير الكثير، ومن أعظم الخير أداء الصلوات في وقتها، واعلم أخي الكريم أن كثرة النوم وخاصة في النهار مذموم، وقد قال علي رضي الله عنه: "مِنْ الْجَهْلِ النَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَالضَّحِكُ مِنْ غَيْرِ عَجَبٍ"، وقال أبو إسحاق الْخَوَّاصُ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلاثًا وَيَبْغَضُ ثَلاثًا، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ، فَقِلَّةُ الْكَلَامِ، وَقِلَّةُ النَّوْمِ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ، وَأَمَّا مَا يَبْغَضُ، فَكَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَكَثْرَةُ الْأَكْلِ، وَكَثْرَةُ النَّوْمِ"، وقال أبو حامد الغزالي: "ينبغي لكل أحد أن لا ينام في اليوم والليلة أكثر من ثماني ساعات لأنه إذا عاش ستين سنة يكون قد نام فيها عشرين سنة".