عابد شارف عجزت الجزائر عن بناء المساكن رغم الأموال الطائلة التي خصصت للقطاع. ولما تكرس هذا العجز، واتضح أن كل ما قيل عن المليون سكن لا يتعدى أن يكون كلاما فارغا، اجتمع الخبراء ليدرسوا أسباب هذا الفشل العظيم. واتفق القوم على أن عدم إنجاز السكنات اللائقة بالجزائريين يتمثل في نقص الرمال في الجزائر... وبعد تفكير عميق، ودراسة أعمق، وبعد انهماك المختصين في الموضوع لأسابيع طويلة، جاء الحل. وقال الوزير عمار غول إنه لم يبق للجزائر إلا استعمال الرمال الموجودة في أعماق البحار، لأنها الطريقة الوحيدة التي ستضمن للبلاد تحقيق برنامج رئيس الجمهورية في ميدان السكن والطرق وغيرها. ومباشرة بعد صدور الفكرة، انتشرت فرق من الخبراء على السواحل لتبحث عن »آبار« الرمل مثلما يتم التنقيب عن البترول في أعماق البحر. ولم يتكلم القوم عن التكلفة المالية والطريقة التي سيتم استعمالها لاستخراج الرمال من أعماق البحار. وكل ما في الأمر حسب مهندس في الميدان يمكن حصره في سؤال بسيط: كيف يمكن بناء المساكن برمال أعماق البحر بعد أن فشلنا في بنائها برمال الوديان والمشاتل والصحراء؟ ويمكن أن نضيف سؤالا آخر أبسط: كيف تمكن القوم أن يعجزوا عن العثور على الرمل في بلد يعرف عنه أنه يحتوي أكبر صحراء في العالم وأشهر الكثبان في العالم؟ ولا نعرف كيف سيعمل القوم لاستخراج تلك الرمال وتحويلها إلى الورشات لبناء سكنات اجتماعية، وهل سيستعملون بواخر خاصة لذلك أم أنهم سيبنون مركبات »رملية« في عرض البحر... ومن المعروف أن من عجز عن القليل سيعجز عن الكثير. ومن عجز عن العمل يكثر الكلام، وهذا ما أدى إلى سباق حقيقي في التصريحات العشوائية من طرف مسئولين ضاعت منهم كل طريقة عقلانية في التفكير. ولعلهم يعرفون أن الكلام مجاني في الجزائر، ولا أحد يحاسبهم عما يقولون. وقد دخل المعركة وبقوة وزير الفلاحة سعيد بركات، حيث جاء بفكرة مبدعة لا ينافسه فيها أحد. وقد قال بركات إنه سيتخذ استراتيجية جديدة في مساعدة الفلاحين، حيث أن المساعدات ستعطى لهم بعد أن يقدموا حصيلة إنتاجهم لا قبل أن يشرعوا في العمل... وبذلك سيكافئ وزير الفلاحة من استطاع أن ينتج دون تدخل الوزارة. وإذا انهار إنتاج البطاطا، فذلك ليس من صلاحيات الوزير لأن الفلاحين هم الذين سيكونون قد أخفقوا، ولن يكافئ أحدا. ولم يبق على الجزائر إلا استيراد كل ما تأكل. وحقيقة الأمر أن سعيد بركات ليس إلا تلميذا لرئيس حكومته، بما أن عبد العزيز بلخادم قد أصبح هو الآخر من أبرز المنافسين في الكلام الذي لا معنى له في الميدان الاقتصادي. فقد قال رئيس الحكومة مثلا إن الاستثمارات الأجنبية في الجزائر بلغت 20 مليار دولار سنة 2006، وأنها ستفوق هذا الرقم خلال السنة الحالية. أما الواقع حسب ما جاءت به إحدى المؤسسات المختصة التابعة للأمم المتحدة، فإن الاستثمارات الأجنبية بلغت 1.8 مليار دولار، مع العلم أن معظمها ينحصر في المحروقات والهاتف النقال. ويعني هذا الكلام أن رئيس الحكومة ضاعف الرقم الحقيقي للاستثمارات الأجنبية عشر مرات... وإذا ذهب رئيس الحكومة نفسه إلى هذا الحد، وأعطى المثل في التصريحات العشوائية، فكيف نعاتب المسئولين من الدرجة الثانية والثالثة لما يقولون ما لا يفهمون؟ إن هؤلاء وجدوا الساحة مفتوحة لكل المتاهات، ولهم الحق أن يقولوا ما أرادوا لأن لهم قدوة في ذلك. ومنهم مثلا من قال إن المؤسسة الإماراتية »إعمار« مستعدة لاستثمار 20 مليار دولار في مجال البناء... أما الشركة السعودية »القدرة«، فإنها ستستثمر عشرة ملايير من الدولارات في نواحي وهران ومستغانم لوحدها من أجل إنجاز عمارات من النوع الراقي... ويجب أن نحترم هؤلاء، لأنهم لم يكتفوا بصنع أكذوبة، بل أتقنوها. فقد أكدوا أن هذه البنايات العظيمة التي سيتم إنجازها تتطلب التحكم في تكنولوجيا عالية، ولا يمكن للمؤسسات الصينية مثلا أن تدخل المنافسة، مما يجعل من الشركة الفرنسية »بويغ« Bouygues و»فانسي« Vinci المؤسسات الأكثر تأهيلا لإنجازها، وهذا ما يضمن دخول أكبر الشركات الفرنسية ميدان البناء في الجزائر... أما السيد حميد تمار، فإنه أعطى وعودا متكررة بتدفق الاستثمار الخارجي منذ بداية العهدة الأولى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. رغم ذلك، يؤكد كل الخبراء أن استثمار الجزائريين في الخارج يفوق بكثير استثمار الأجانب في الجزائر. ورفض الوزير أن ينظر إلى واقع الاقتصاد الجزائري بما يحمل من عوائق، سواء تعلق الأمر بنوعية البنوك أو البيروقراطية أو انعدام الأراضي الصناعية. وقال الوزير إنه لم يفشل، إنما الأجانب هم الذين فشلوا في الاستثمار عندنا... وتأكيدا لذلك، سافر الوزير إلى باريس ليعاتب الشركات الفرنسية، ويقول إنه غاضب عن قراراتها، بعد أن اختارت أن تستثمر في المغرب. ولم يبق للجزائريين الذين ينتظرون سكنا من مؤسسة »عدل« منذ سنوات طويلة إلا أن يصبروا قليلا عندما ستشرع الجزائر في استخراج الرمال من أعماق البحر. وإن لم يكن ذلك كافيا، فعلى الذين ينتظرون مسكنا أن يفتخروا بموقف الوزير تمار الذي وقف صامدا أمام المؤسسات الفرنسية، كما عليهم أن يفتخروا بموقف الوزير الأول الأسبق أحمد أويحي الذي ندد بالبنوك الأجنبية قائلا إنها لا تساهم في دفع الاقتصاد الجزائري. وعلى هؤلاء أن يفتخروا، لأن الوطنية أسمى من السكن... ولم تبق إلا نقطة واحدة تثير التساؤل. إنها تتعلق بالخبراء الذي سيقومون باستخراج الرمال من أعماق البحر: من يضمن أنهم سيقومون بعملهم وأنهم لن يفضلوا »الحرقة«.