باتت حوادث السرقة المتكررة التي تشهدها مختلف البيوت في العاصمة وضواحيها أمرا معروفا لدى العام والخاص. ففي كل مرة تنتشر أخبار مساكن تمت سرقتها ونهبها وتطالعنا الصحف اليومية بقصص لحوادث سرقة متشابهة. غير أن ما يبعث على الحيرة والتساؤل بعد كل جريمة هو سر احتفاظ المواطنين بهذه المبالغ المالية الضخمة بالإضافة إلى كميات كبيرة من المجوهرات داخل بيوتهم وإخفائها تحت "الكارلاجة" كما يقال بالعامية أو البلاط، بدلا من وضعها في بنوك لتحفظ في مأمن بعيدا عن أنظار المجرمين واللصوص. تعجّ المحاكم الابتدائية ومجالس القضاء يوميا بمئات قضايا السرقة والتي تدور في مجملها حول سرقات الهواتف النقالة، المجوهرات والأموال أيضا، فجل البيوت الجزائرية تحوّلت إلى بنوك لحفظ الأموال وتخبئتها بدلا من البنوك أو دفاتر التوفير والاحتياط؛ فالمساكن الآن أضحت تحتوي على "كنز علي بابا" صارت هدفا جديدا للصوص. وهو ما يبعث على الحيرة والاستغراب في كل مرة. فلماذا يحتفظ الجزائريون بمبالغ مالية ضخمة داخل بيوتهم في الخزانة وتحت البلاط ولا يأتمنون البنوك عليها؟ سؤالٌ يتبادر إلى الذهن عقب كل ملف سرقة تعالجه المحاكم. ومن بين القضايا التي أثارت استغرابنا قضية 4 شبان يقيمون في ضواحي حسين داي، سرقوا مبلغ 100 مليون سنتيم ومجوهرات ثمينة بقيمة 800 مليون سنتيم، بمساعدة أحد أقارب صاحب المنزل وذلك كي يتمكنوا من الهجرة إلى إسبانيا، غير أن مصالح الأمن ألقت القبض عليهم ليتبخر بذلك حلم الهجرة. وما يبعث على التعجب أن المبلغ المالي والمجوهرات كانت محفوظة في غرفة النوم في مكان عادي دون أدنى إجراءات حماية أو وقاية وهو ما سهَّل وصول اللصوص إليها. حادثة سرقة أخرى شهدها أحد المساكن في القبة، تعرَّض للسرقة من قبل شابين في وضح النهار حيث اقتحم اللصان منزل الضحية وسرقا منه حقيبة تحتوي على مجوهرات بقيمة 200 مليون سنتيم كانت موضوعة فوق خزانة غرفة النوم مثلما تفعل جميع العائلات الجزائرية. وتعدّ طرق حفظ المجوهرات كلاسيكية ومعروفة عند عامة اللصوص والذين يدركون أن خزانة غرفة النوم هي المكان الأول والوحيد الذي تخبأ فيه، لذا يتوجهون مباشرة إلى هناك دون أن يستغرقوا فترة زمنية طويلة في منزل الضحية. فمباشرة بعد سفر صاحب المنزل تسلل جيرانه الثلاثة إلى منزله الكائن بضواحي لامونطان وسرقوا مجوهرات زوجته البالغة قيمتها 100 مليون سنتيم في ظرف نصف ساعة. ولعل قيمة المبالغ المسروقة الضخمة والكبيرة قد تصدم اللصوص أحيانا فلا يصدِّقون أن هناك أشخاصاً لازالوا يرفضون وضع أموالهم في البنوك بسبب الإجراءات المطولة، معتقدين أن بقاءها بقربهم أسهل ليسحبوا منها في الوقت الذي يرغبون فيه. وهو ما حدث لمشعوذة في حسين داي، تهجمت عصابة على منزلها وسرقوا منها مبلغا ماليا بقيمة 300 مليون سنتيم و53 قطعة ذهبية يفوق ثمنها 200 مليون سنتيمن. والمثير للحيرة أن العصابة التي سرقتها تضم إحدى زبوناتها. وإن كان الضحايا السابقون منهم مواطنون بسطاء لا يخطر على بالهم أن الأموال والمجوهرات يجب أن تبقى في بنوك خاصة، لكن الأدهى أن هناك بعض الضحايا من أصحاب المستوى العالي بل ومنهم من يعملون في البنوك لكنهم لم يفكروا في الأمر إطلاقا. فقد تعرّضت شقة موظفة ببنك وتقطن في عين النعجة للسرقة حيث أخذ منها مبلغ 55 مليون سنتيم ومبلغ 500 أورو، زيادة على صندوق من الحلي والمجوهرات ثمنها 30 مليون سنتيم. ولأن الظاهرة أخذت أبعادا خطيرة في المجتمع بل وقد ساهمت في تشجيع اللصوص على مداهمة البيوت والمنازل، اتصلنا بالأستاذ "يوسف حنطابلي"، أستاذ علم الاجتماع بجامعة العفرون بولاية البليدة، والذي أوضح لنا بأن الأمر له خلفية دينية تاريخية، فبعد الاستقلال ورثت الجزائر بنكا وأصبح لها جهاز مالي مستقل خاص بها، غير أنه ظل مرتبطا في ذهنية الشعب بالاستعمار وقد تطلب وقت كبيرا حتى تمكن الجزائري من استيعاب النظام البنكي. وفي 1988 مع الانفتاح الذي شهدته البلاد في تلك الفترة وتراكم رؤوس الأموال، أصبح الإيداع مرتبطا بثقافة رأس المال فالعقلية الجزائرية قائمة على الادخار بالبيت، ليأتي مشكل الخليفة وسرقة أموال المواطنين ليزيد من حجم الهوة بين الجزائريين والبنوك، ليفقدوا الثقة في البنوك نهائيا. ويستطرد الأستاذ حنطابلي أن عامة الشعب يرون البنوك مرتبطة بالربا ويلجؤون إليها في الحالات القصوى لأخذ قروض لشراء المنازل والسيارات. وهو ما يبرِّر ميل الجزائري إلى المعاملات النقدية بدلا من البطاقات البنكية والفيزا فهو يفضل الملموس دوما وهي ثقافة راسخة عنده.