قرّرت الجزائر تخفيض مستوى تمثيلها في كلّ الاجتماعات الرسمية متعددة الأطراف، التي ستنعقد مستقبلا بالمملكة المغربية، تبعا لمسلسل التوتر الذي تعرفه منذ أسابيع العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة بعد لجوء المغرب إلى استدعاء سفيرها من الجزائر، قبل اقتحام القنصلية الجزائريةبالدار البيضاء وتدنيس العلم الوطني في "جريمة" اعتبرتها الحكومة المغربية "فعلا معزولا". كشف أمس، الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الخارجية، أن "الجزائر قررت بكلّ سيادة تحديد مستوى تمثيلها خلال الاجتماعات المتعددة الأطراف التي ستنعقد مستقبلا بالمغرب". وذلك، مثلما أوضح عمار بلاني، في تصريح مكتوب تسلمت "الشروق" نسخة منه، تبعا لتوتر العلاقات نتيجة الاعتداء غير القابل للتسامح، على قنصلية الدار البيضاء وتدنيس العلم الجزائري في ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المصادفة للفاتح نوفمبر. في سياق متصل، علمت "الشروق" من مصادر موثوقة، أن الجزائر كانت قد طلبت بصفة رسمية تأجيل اجتماع مجلس وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي، الذي كان مقررا ما بين 26 و29 نوفمبر المنصرم بالرباط. القرار الجديد للجزائر في تعاملها مع المغرب، ترجمه مؤخرا عدم مشاركة وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، في اجتماع عُقد بالرباط حول الأمن بالحدود، موازاة مع انسحاب نائب بالبرلمان وسيناتور بمجلس الأمة، من أشغال ملتقى دولي احتضنه قبل أيام البرلمان المغربي في الذكرى الخمسين لتأسيسه. ما يُمكن اعتباره "تصعيدا" جزائريا حسب متابعين يأتي بعد الحكم الصادر عن القضاء المغربي، الذي حكم على المدعو "حميد النعناع" بشهرين حبسا غير نافذ وغرامة بملغ 250 ريال فقط، رغم أنه تورط في اقتحام قنصلية الجزائربالدار البيضاء وتدنيس العلم الوطني، وبرّرها خلال محاكمته بدافع "الغيرة الوطنية" والدفاع عن "السلامة الترابية" للمغرب! وفهم مراقبون هذا "الاستفزاز" بأنه إجابة من الحكومة المغربية، ترفض بموجبها مطالبة الجزائر بإشراكها في التحقيق حول الاعتداء السافر. كما أن الحكم الذي جاء ك "عفو ملكي"، يُمكنه أن يكون تشجيعا مباشرا لتكرار العملية مستقبلا، طالما أن السلطات المغربية لم تعاقب المتورط وأدرجت فعلته في خانة "انتهاك منزل خاص وإتلاف ممتلكاته"! قصة "الفعل المعزول"، التي لم تُقنع الجزائر واعتبرتها غباء مثيرا للشفقة، أصبحت "جريمة بلا عقاب"، بعدما وفّر لها المخزن الحماية بعد الإيعاز، تزامنا مع تصريحات أطلقها مؤخرا رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، من منبر البرلمان، عندما دعا إلى ما سماه "التصدّي لمناورات الجزائر والبوليزاريو والتعريف بانتهاكات حقوق الإنسان الممارسة ضد المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف" (..). بن كيران الذي قال: "المغاربة ما غايتبدلوش على الجزائريين، حنا خوتهم، والخوت خصك تحملهم". وأضاف بنبرة التهديد: "لكن على الجزائر أن تعلم بأن المغرب لن يفرّط في وحدته الترابية"، تقاطع مع تحامل رئيس حزب "الاستقلال" المدعو شباط الذي دعا إلى "غزو" الجزائر عسكريا ل "استرجاع تندوف وبشار المغربيتين"! واعتبرت الخارجية الجزائرية، قبل يومين، الحكم الصادر ضد عضو "جمعية الشباب الملكي"، مدنس العلم الوطني ب "الفضيحة والتسيّب المفضوح" من طرف المغرب، بما يكذب رواية "الفعل المعزول". وأكد الناطق باسم الخارجية، أنه لا يُمكن للمغرب أن تتهرّب من مسؤوليتها عن الاعتداء السافر الذي استهدف القنصلية الجزائرية، في وقت ردّت فيه الخارجية كذلك، على خرجات كوميكية لكلّ من وزير خارجية المغرب وأمينها العام، حيث تقاطعا في محاولة تغليط الرأي العام بنكتة حمقاء تزعم بأن الجزائر تقف وراء "تعطيل" العلاقات الثنائية و"فرملة" مشروع المغرب العربي الكبير، وهي المغالطات المثيرة للضحك والشفقة، التي أكدت الجزائر بأنها لن تثنيها عن الجهر بمواقفها غير القابلة للتنازل أو التفاوض.