سيدي الكريم، بعد قراءتي لموضوعك "ثورة للأبد" وجدت نفسي أستغرق في تساؤلات: كيف يحيا الآن مجاهدونا؟.. لقد كانوا قبل خمسين سنة أبطالا، لكن حتى الأبطال لا يمكن أن يعيشوا على بطولاتهم طوال العمر، والآن ربما كان عليهم الذهاب لأحد مراكز التكوين لتعلم مهنة جديدة! ربما كان عليهم أن يقفوا في طابور لشراء ما تحتاجه عائلاتهم وهذه لا شك بطولة من نوع آخر.. سيدي الكريم، أنا من جيل يعيش بين ضرورتين، ضرورة أن يتذكر وضرورة أن ينسى، فلا يجب أن ننسى ما ننعم به من حرية دفع ثمنها ملايين الأبطال، وفي الوقت نفسه نفرض عليهم منطق مرحلة جديدة من الكفاح نمنح فيها الأوسمة لمن يعرف كيف يحرث الأرض ويقود الجرار ويبني السدود والطرقات والمطارات، لذلك يجب عليهم أيضا أن ينسوا تلك البطولات وكل عام وأنتم أبطال.
مهندس بطال لقد وضعت يدك على الجرح يا أخي العزيز.. فعلا لا بد أن تكون "ثورة للأبد"، في البناء والتعاون والتشييد والصناعة والاقتصاد والتربية والسياسة والتسيير، ويجب أن تكون "ثورة للأبد" أيضا في التوزيع العادل للسكن والشغل والأجور، وتوزيعا عادلا للتهميش والبطالة و"الحڤرة" والفقر! فعلا، لا يمكن للأبطال أن يعيشوا على بطولاتهم طوال العمر، لكن لا يجب أن يُظلم الأبطال والرجال ف"حڤار الرجال يموت ذليل" يا مهندس يا بطال، واتركني أقول لك، وهذا ليس سرّا ولا سبقا، أن من بين مصائبنا التي تمزقنا وتعيدنا إلى الوراء، هو تفنن البعض في السطو على انتصارات الآخرين وتأميم حقوقهم! البطولة لا تموت، لا بالتقادم ولا بالأثر الرجعي، لكن لا ينبغي أن يجعل البعض من هذه البطولة، في مختلف الميادين، مفتاحا يفتح كلّ الأبواب، ويكرّس التمييز والمفاضلة، وهذا لا يعني بالمقابل، بأيّ شكل من الأشكال، التنكّر لهؤلاء الأبطال ممّن يستحقون كلّ العرفان والتقدير! صدقت يا أخي، عندما تقول بأنك من جيل يعيش بين ضرورة أن يعيش وضرورة أن ينسى، وهذا الجيل أعتقد أنه "جيل الاستقلال" الذي يربطه الحبل السرّي ب"جيل الثورة"، وكل جيل يعيش بالآخر، وغير مسموح لهما أن يتناسيا أو ينسيا بعضهما البعض! أصدقك القول، أن "جيل الثورة" ظلم أحيانا "جيل الاستقلال"، مثلما ظلم "جيل الاستقلال" في كثير من الأحيان "جيل الثورة"، فالأول يرى بأن الثاني مازال "ذراري" يعيش مرحلة الفطام وفي أحسن الأحوال لم يبلغ سنّ الرشد، بينما يعتقد الثاني مخطئا أن "مدّة صلاحية" الأول قد انتهت!
البطولات يا أخي، تبدأ دائما ولا تنتهي أبدا، ولذلك نحن جميعا مطالبون بأن نكون أبطالا، كلّ في منصبه وحسب وظيفته ورتبته، حتى تكون البطولة بذرة وغلّة جماعية وتشاركية، بدل أن "يخدم الناعس على التاعس"، أو يسرق المحتال مكان وزمان البطال!