قمر صبري الجاسم اسم غني عن التعريف، فبكبسة زر في محركات البحث على الانترنت تظهر صفحات وصفحات.. منها ما يروي السيرة الذاتية ومنها نصوص أدبية، فيديوهات، حوارات وما إلى ذلك من الإنجازات.. هي شابة في مقتبل العمر لديها تاريخ حافل بالنجاحات، أردنا أن نلج عالمها ونسبر أغوارها فكانت لنا معها عديد المحطات. كيف تعرّف قمر صبري الجاسم نفسها لمتابعي موقع جواهر الشروق؟ لا أعرف أن أكتب عن نفسي، حين نكتب عن الآخرين نمتاز بقدرة تصوير مشاعرهم وإيصالها إلى المُتلقي كأننا هو، أما فيما يتعلق بنا مهما أبدعنا نشعر بالعجز وعدم القدرة على إيصال كل ما نحسه حتى من فرح. عندما كنتُ أسيرُ أمام أحلامي لمْ أكن أنظرُ إلى الوراءِ.. كانت حكمتي دائماً: سأحققها كلّها، وكنتُ كلما حققتُ حلماً خلقتُ حلماً جديداً.. قوَّتي دعاء أمي.. وإرادتي وسعيي.. وسهري الطويل.. قوتي أيضاً كانت وطني الآمن.. وكبريائي.. لم أكن أتخيّل كيف يمكن أنْ تستمرَّ الحياة بدون عُمْرٍ قد لا يمكنني أن أحقق فيه أمنياتي.. الوحدة التي أشعر بها منذ رحيل والدي "رحمه الله " أعطتني قوة وصلابة كي أتحدى المستحيل وأستطيع مجابهة الصعاب بأمل وعزيمة لكنها الآن حين امتزجت بالغربة والوجع والشوق والفراق والتشتت والضياع والدماء.. زلزلتني.. كل شيء كان يوهمني بالفرح.. حتى الوجع.. كل شيء كان عادي اللهفة.. لكنه يتقن الانتظار مثل غيمة بيضاء تسير بلا مطر.. كانت سماء مستسلمة بلا روح.. قاتمة.. كانت وكنا.. أصبحنا نغرّد مثل عصافير المقابر بكان وكنا.. من قال إن كان فعل ماضٍ ناقص.. إنها فعل ماضٍ كامل.. - قلت في إحدى تصريحاتك "حاولت أن أكون لسان حال كل وردة وأد أحد المارة عطرها " بمعنى أنك صوت للمرأة كسيرة الجناح كيف ذلك؟ وهل تقصدين المرأة السورية على وجه الخصوص أم المرأة مهما كانت جنسيتها؟ كل وردة وئد عطرها والفاعل مبني للمجهول أو المعلوم.. ولا أخص الأنثى عن الذكر، ولا أخص الوردة السورية أو العراقية أو المصرية ولا نوعاً معيناً من الورود.. بل كتبتُ حتى عن وجع الصبَّار وصورت حاوية القمامة.. وكتبتُ عن ظلم المجتمع لعامل النظافة.. أعني هنا لسان حال البشر والشجر والحجر والزمن والنجوم.. كل من يكابد ولا يجد مجالاً للبوح أو الصراخ.. ولا يمنع أن المرأة هي أكثر من تُعاني خاصة في الحروب.. المرأة أكثر ضحايا الحروب ألما ووجعاً ومعاناة.. وكتبت عنها في قصيدتي (نساء المخيم ) التي أقول فيها : عليهنَّ تبكي البيوتُ ويخجلُ منْ حُزنِهنَّ الحياءُ نساءُ المخيَّمِ يقبعنَ في سجنِ هذي الحروبِ اللئيمةِ يرسمنَ فوق جدارِ المنافي قلوباً لتلمحَ أوجاعَهُنَّ ويبكين خوفاً يُصافحنَ أقدارهنَّ صباحاً على قلقٍ ثمَّ يُطعمنَ سربَ الحمامِ فُتاتَ الحنانِ ويخبزنَ أشواقهنَّ فيبتسمُ الكبرياءُ إلى آخر القصيدة.. وعن معاناة الأمهات في الحروب بقصيدتي (تذوب أمامي ) أقول فيها : تحاولُ كتمان أوجاعها والدُّموعُ على خدِّها لاتتوبُ تحاولُ رسم ابتسامتها كي تمدَّ الضياعَ بقوَّةِ عُمرٍ قضَتْهُ على مدِّ أحلامنا بالتعب وكانت ستنساهُ لولا .. ولولا وكيف ستنسى البيوتَ التي عمَّرَتْها هناكَ وقد فرَّقتها الحروبُ وقد دمَّرتها الخطوبُ .. تحاولُ كتمانَ أوجاعها كي .. وأوجاعُها مثلها مثل كلِّ النساء اللواتي انكسرنَ ودمَّرتِ الحربُ أحلامهنَّ وصرنَ أراملَ أنقاضِ تلك البيوتِ .. ثكالى عصافيرهنَّ ... لبسنَ الحدادَ وصرنَ منافي لمنفى العذابِ وغصَّتْ بغربتهنَّ القلوبُ . كما كتبتُ قصيدة (محض أنثى ) في ديواني الصادر 2010 أتحدث فيها عن الغبن الذي تعاني منه الأنثى مهما نالت شهادات عالية أو أبدعت في أي مجال من مجالات الإبداع تبقى محض أنثى لكن القوة أن تدير ظهرها لهذا النوع من السطحية في تفكير البعض (الكثير ) وتُتابع أحلامها : هي كالقصيدةِ لا يحدُّ فضاءَها ألمٌ ويعشقُ حزنَها القرَّاءُ , قلْبُ حنانِها المُعتادُ أبيضُ كالورقْ هي أمُّ كلُّ الأمنياتِ , الليلُ شابَ حنانُهُ مُذْ نامَ في عَرَباتِها جرَّتْهُ نحو الحلْمِ ,فاستشرى الأَرَقْ والخيرُ مدَّ إلى يديها روحَهُ وأدوا مشاعرَها وقالوا : " محضُ أنثى " لَمْ تُدِرْ لترابِهمْ وجهَ الأنا نَفَضَتْهُ وارتكَبَتْ خطيئةَ حلْمِها ومَشَتْ على أشواكِ غربَتِها , تلمُّ الريحَ تنسجُ شوقَها لوليدِها , ... إنْ كانَ أنثى خوفُها العاري شَهَقْ هي طفلةٌ , رسّامةٌ , بنّاءَةٌ , عرَّافةٌ ... إنْ عاقَبوا بالصمتِ شالَ ودادِها ظلماً , تُطرِّزُ بالحروفِ حضورَها ليُقالَ ما كَتَبَتْهُ أصدَقُ مَنْ صَدَقْ . في المُجمل حياتنا تشبه السفينة والماء يتسرب إليها.. ولن ينتبه من عليها أن لافرق في المصير بين كل الشعوب التي تحملهم على ظهرها وبين حتى الحيوانات الأليفه والمفترسة إلا وهي تغرق.. - ماذا يمثل الشعر بالنسبة لك كامرأة وهل تعتقدين أنك نجحت في إيصال صوت العاطلين عن الأمل -على حد تعبيرك- المهمومين، الضعفاء والمستضعفين؟ قلت عن الشعر الكثير وبيّنت العلاقة بين الشعر والحياة والآخر في قصيدتي هو الشعر كفّي التي أختمها بقولي : هو الشِّعرُ حُلْمي البسيطُ المعقّدْ صلاةُ المسافرِ في أرضِ شِعرٍ مُخلَّدْ صلاةُ "التّسابيحِ" في وَهْجِ عمري صلاةُ " التهجّدْ " و في الليلِ عوَّدتُ شِعري القيامْ أعلِّمُ بالشِّعرِ كلَّ النساءِ المودّهْ أُذكِّرُ كلَّ الرجالِ بأنَّ النساءَ وراءَ الرجالِ العِظامْ هو الشِّعرُ طفلي لأجلكَ علَّمتُهُ كيفَ يمشي لأجلكَ علَّمتُ طفلي الكلامْ هو الشِّعرُ شَعري , فمشِّط بعينيكَ شَعرَ حروفي .. هو الشِّعرُ كفّي إذنْ إنْ قَرَأْتَ القصائدَ ردَّ السلامْ . خدودي شفاهي .. فهلاّ حكيتَ لهُ قُبلةً كي ينامْ . الأمل أنواع منه مايودي بصاحبه إلى البطالة فيصبح من العاطلين عن الأمل، ومنه ما يُحفِّز صاحبه على العطاء فيصبح من صُنّاع الأمل، ومنه ما يودي بصاحبه الى النرجسية الخالصة فلا يرى على صفحة حلمهِ سواه فيقع في بركة الكره حتى الغرق. كتبت عن (العاطلين عن الأمل ) منذ عام 2004 على أمل أن نجد الحل ولكن للأسف مازالوا بازدياد فليس المهم أن ننقل ونصوِّر بل أن نجد المَخرج من الحالات المرَضية التي يُعاني منها المجتمع، الكتابة أيضاً لا تعنى فقط بالتشخيص إنما بالبحث عن العلاج أيضاً وقد جعلتها نقابة شعرية للعاطلين عن الأمل وإذ بي ألاحظ ازدياد من ينتسبون إليها.. وقد قلت في لقاء بعد صدور الديوان وقتها إنني سأفتتح مصنعاً لتكرير الدموع.. للأسف ربما صار علي الآن أن أفتتح مقبرة للأحلام.. كانت جدتي رحمها الله تقولُ: إنَّ الميت بعد دفنِهِ يسمع أصوات خطوات الرَّاحلين.. في أذنيَّ ازدحامٌ عجيبٌ . - فضلا عن كونك شاعرة أنت إعلامية وكتبت العديد من المقالات الساخرة، ألم تواجهك صعوبة في الانتقال من الشعر الجاد المحمل بأصدق المشاعر إلى المقال الساخر الذي يعتمد بالدرجة الأولى على روح الدعابة والنكتة خاصة وأن الواقع مر؟ ومن قال إن المقال الساخر ليس محملاً بأصدق المشاعر، إنه أصعب أنواع الكتابة وأكثرها جديّة لأنه يصوِّر الألم بطريقة مختلفة.. وهناك اختلاف كبير بين السخرية والتهريج.. السخرية هي الضحك المر.. وقد قلت إن الضحك المر مفيد يقوي المناعة لذا نلاحظ أن أكثر أنواع الأدوية مذاقها مر.. لكن كل شيء تغير ولم يعد يؤخذ بمعناه الحقيقي.. حتى الإعلام أعرف أنَّ الإعلامي عليه أنْ يُقدِّم للمؤسسة التي يعمل بها حجم عمل بعدد معين من الأخبار.. الآن أصبح عليه أن يُقدم أكبر عدد ممكن من القتلى.. أليست هذه من أكثر الحقائق المرّة سخرية . - ما هو مبدؤك في الحياة وما هي الرسالة التي تريدين إيصالها للعالم كامرأة مناضلة اختارت الشعر لتحيا بنبضه مذ كانت طفلة؟ النضال كلمة كبيرة جداً ولو أن الحياة بحد ذاتها بالنسبة للجميع من الكبير الصغير إلى الرجل إلى المراة صارت نضالاً أليس من الموجع أن تصبح الحياة التي خُلقنا فيها لكي نعيش بمحبة وبسلام صارت نضالاً ضد بعضنا وعلينا أن نعتذر من الغابة التي كانوا يشبهون حياتنا أنها صارت تُشبهها.. على الأقل إن الحيوانات التي تنتمي لنوع معين أو حتى للقطيع يتكاتفون ليدافعوا عن أنفسهم.. نحن نقتل بعضنا.. أريد أن يصل إلى العالم كله معنى الإنسانية.. هذه الرسالة الأسمى.. والموجع أن عالمنا العربي والإسلامي هو أكثر مايعاني من الموت والدمار والقتل مع أن كل ماكتبته يحدث بل ويتفاقم ومع ذلك حين قرأتُ هذا المقطع منذ سنين على أحد المنابر اتهموني بالسوداوية: لنْ أقرأَ شِعري إلا للمُضطَهَدينَ نذرتُ كتاباتي للمحرومينَ المنكوبينَ المقتولينَ.. المُغتَصَبينَ.. المشنوقينَ المسجونينَ.. المنفيينَ.. المقهورين..ال.. أقسمتُ.. و إذ بي.. صوتُ العربِ النابضْ . البئر تنبأت لنا بالسنين العجاف ومع ذلك لم تدَّخر قلوبنا مايكفي.. نفد ماحملته السنابل مذ تدحرجت القاف لتحل محل السين.. الأحلامُ نفسها صارتْ تخافُ أنْ نحلُمَها، صارَ منَ المُسلَّماتِ أنْ نخافَ الحُلمَ.. لكنْ أنْ تخافَ الأحلامُ منَّا.. أو علينا.. ؟!! إلى أيِّ درجةٍ صرنا نستحقُّ الشفقةَ؟ وسائل الإعلام سوّقت عبر سنين طويلة مفاهيم خاطئة عن الحب على أنه عذاب ودمار ووجع لذا ليس غريباً أن يصبح دليل أحدنا على حبه مدى الدّمار الذي خلّفه في حياة من يحب ودليل حبنا لأوطاننا مدى الدّمار الذي ألحقناه بها.. وتجدين أكبر تعبير عامّي عن الحب (بموت فيك) لذا قلت : من قال إن أحدنا يموت في الآخر.. أنا أعيش فيك وبك.. علينا أن نغير هذه المفاهيم بكل ما أوتينا من شِعر وحب . - هل أنت راضية عن نفسك والنجاح الذي حققته في الساحة الأدبية أم أنك تعتقدين بأن الطريق الذي أمامك لا يزال طويلا ومحفوفا بالصعوبات؟ الرضا يعني النهاية، لكنني راضية عن سعيي، عملتُ كثيراً واجتهدتُ وسهرت، أما عن النجاح فهو للأسف في بلادنا كلمة صعوبات قليلة، وحتى أصبح محفوفاً بالمخاطر.. لأن الناجح صار مُستهدفاً مثل كل ماهو قيّم ومُستهدف.. لم يعد ثمة احترام لتاريخ المبدع والناجح وهذا ليس غريباً بعد تدمير تاريخ وآثار البلاد.. أصبح المُبدع عُضة للاصطياد في ماء الكلمات العكر حتى بعد موته دون احترام للموت.. بل تعدى الأمر لاستهداف قامات كبيرة ماتزال على قيد الابداع، انظري إلى الهرم الكبير فيروز كيف تجرأ البعض عبر صفحات (التنافر والتقاتل ) الاجتماعي على الكتابة عنها وهو طبعاً لن يؤثر على تاريخها لكن المشكلة في تفاقم هذه الحالة. - في أول دردشة بيننا قلت أنك كتبت كثيرا عن المرأة عدوة نفسها ماذا تقصدين بذلك؟ ومتى تعادي المرأة نفسها في نظرك؟ في روايتي التي سأنشرها قريباً سأوضح كل شيء، في مساحة صغيرة لن أستطيع إيصال الفكرة.. نعم يوجد امرأة عدوة لنفسها وهنا القصد (عدوة للمرأة ) وكتبت ذلك في مقالة بعنوان (أعداء المرأة ) تناولت فيها زاوية صغيرة من حيث المرأة الفاشلة عدوة المرأة الناجحة فتصبّ كل فشلها فيها من خلال اتهامها بالتسلق وأن أحدا ما وراء نجاحها وشيء من هذا القليل.. لكن في روايتي سأوضح عبر نماذج كثيرة وأعرف أن الدنيا ستقوم علي بدءا من عنوانها.. و ربما النساء سيطالبن بإقامة الحد على كلماتي.. إن لم يفهمن جيداً الرسالة التي أردتُ إيصالها . - الرجل في قاموس حياتك ماذا يعني، ماذا يمثل، وهل كتبت ومررت رسائل شعرية بشأنه؟ الرجل هو تجسيد للأمان والقوة والفرح والحب والحياة.. الرجولة موقف وقد رأيت أطفالاً صغاراً تصرفوا بمواقف رجولية.. الرجل إما أن يكون مُدعّماً وسنداً أو العكس تماماً واكتشفت من أخوتي الذين وقفوا إلى جانبي وآمنوا بأحلامي أن الرجل سند قوي.. نحن ننتمي لعائلة الكلمات الدافئة المتماسكة الحروف.. وإلا لما كانت في حياتنا.. جملة حب مفيدة.. بالطبع كتبت عن الرجل وهمومه وبلسانه أيضا.. كما قلت لك أود أن أكون لسان حال كل وجع وفرح.. - عمل المرأة في اعتقادك هل يشكل عائقا في وجه استقرارها الأسري وما رأيك في الأصوات المنادية بضرورة ركون المرأة للبيت كونها خلقت له ومن أجله وهو مملكتها؟ من قال إننا لا نستفيد من دراستنا، أنا شخصياً استفدتُ من دراستي للاقتصاد بخاصة في هذه الأيام، وتأكدتُ أن علينا أن نقتصد في كل شيء، في الماء والهواء والأمل.. حتى الفرح أصبح باهظ الثمن.. وقد ندفع عمرنا كله ثمناً له . المشكلة في بلادنا أن المبدع يعاني وتقف في وجهه الكثير من العوائق بغض النظر عن كونه رجل أو امرأة كما قلت سابقاً مع زيادة المعاناة لدى المرأة بسبب الكثير من الظروف، لقد عملت منذ سنوات دراستي إلى جانب الاهتمام بموهبتي بدأت بالتدريس ثم تنقلتُ في العديد من المجالات الخاصة بدراستي في الاقتصاد إلى أن توجهت للعمل في الإعلام، وقد يطن الكثيرون أن النجاح يأتي بسهولة ويطلقون على الناجحين صفة المحظوظين دون أن يعرفوا كم كابد الناجح للوصول إلى أدنى مما يستحق ذلك السعي.. لنلص إلى القول ليس للنجاح أعداء، هناك من هم أعداء أنفسهم لأنهم مقتنعون ألا وجود ولا مكان لهم إلا بإلغاء الآخرين. ولمن يقولون أن البيت مملكة المرأة معنى هذا أنها هي ملكته وأن عليها إدارة شؤون مملكتها هناك فرق حتى في مملكة النحل بين الملكات والشغالات التي تصنع طعام الملكات، كما هناك فرق بين الملكات الحقيقيات والكاذبات.. فحين تقوم الشغالات بتغدية بعضها البعض بالغذاء الملكي وتصبح في المملكة ملكات كاذبات مما يؤدي إلى تدهور الطائفة وموتها فيما بعد حين يسود الذكور في الخلية . - أنت كامرأة عاملة وناشطة في عديد المجالات هل نجاحك المهني كان على حساب أشياء أخرى؟ نعم كان على حساب أشياء كثيرة.. حتى مراهقتي لم أعشها.. لأن أحلامي بدأت منذ الطفولة.. ولكني كنت أشعر بقوتي كوني استطعت أن أنجز وعد أحلامي.. وليس نجاحي فقط كان على حساب أشياء بل طيبتي أيضاً.. لذا أقول: الطيبة أخلاق راقية.. لكن لاتكوني طيبة لدرجة اعتقاد تلك الطيبة غباء وسذاجة.. - من هي المرأة التي ترينها قدوة لك في الحياة، تستمدين منها بريق الأمل، وتستلهمين من بسمتها نبض الخواطر والشعر؟ أنجبتني أمي مرَّات كثيرة بعد محاولة اغتيالها لي وأنا في رحمها وحين أصبحتُ أمَّها أنجبَني الحب بدفءٍ يُشبهُ قلبها، ربتني على الوفاء لحبّة الرمل مهما جارت عليها الخطوات.. ولقطرة الماء حتى ولو صارت سُمّاً.. ولكل الأشياء والأشخاص والأماكن التي أعطتني ولو بصيص أمل.. - أخيرا ما هي الكلمة التي تريدين قولها بأعلى صوت من هذا المنبر؟ وما هي نصيحتك لكل امرأة عاطلة عن الحلم، عن الأمل، عن العمل، عن أشياء كثيرة ومستسلمة للفراغ؟ أريد أن أصرخ أولا: بعض الفتاوى التي يعلنها علماء الدين في الحب أو في الحرب لها التأثير المُدمِّر نفسه.. كما تراود قلبي أسئلة كثيرة منها: في الحياةِ الطَّبيعيةِ يقومونَ بإحصاءاتٍ للحدِّ منْ الزيادةِ السُّكانيَّةِ.. لماذا لايقومون بتلك الدِّراساتِ في الحروبِ للحدِّ مِنَ التَّصخُّرِ.. تَصخُّرِ القلوبِ.. وللحدِّ مِنَ النَّقصِ السُّكَّاني.. للحدِّ من انقراضِ السَّعادةِ ؟! من الذي ابتدع الحروب ؟ ولماذا تنتهك أيام أناس يعيشون على أحلام بسيطة لاتتعدى لقمة العيش وابتسامة فرح دافئة ..ومن أجل ماذا تراق دماء شعب أعزل الآمال ... أسئلة كثيرة ظلت برسم الحزن .. وأختم بأبيات : بي خوفُ مدفأةٍ والنارُ تحرقُها ألاَّ يُزوِّدَها الإنسانُ بالحَطَبِ مِن بردِ طفلٍ رضيعٍ لالحافَ لهُ سوى الدّموعِ ولا حضناً سوى اللُّعبِ تخشى عليهِ إذا نيرانُها انطفأتْ فتستحيلُ إلى جمرٍ مِنَ اللَّهبِ خبَّأتُ دمعي لأجلِ الشامِ في قِرَبٍ فسالَ مِنْ وجهها ما خبَّأتْ قِرَبي وصرتُ أبكي وإذ بالصخرٍ منفلقٌ في قاسيونَ يُحاكي شَهقةَ الشُّهُبِ