بعد تسع سنوات من اعتماد تعديل قانون الأسرة في الجزائر، والذي قيّد التعدد ومنع الزواج التقليدي ورفع سن الزواج إلى 19 سنة للذكور والإناث، بدأت تظهر أنواعٌ جديدة من الزيجات يعارضها القانون ويسمح بها الإسلام، وهذا ما أحدث نوعا من التحول في المجتمع الذي بات يمنع أنواعا من الزواج كانت منتشرة بشكل كبير في السابق على غرار زواج القاصرات وزواج الفاتحة، بالمقابل شرّع القانون نوعا جديدا من الزيجات تتعلق بالمصلحة مثل زواج "العقود" الذي مكّن آلاف الجزائريين من الزواج على الورق فقط من أجل الاستفادة من المشاريع السكنية وهذا ما تسبب عنه مشاكل بالجملة. كشفت مصلحة الحالة المدنية على مستوى وزارة الداخلية تسجيل 50 ألف عقد زواج جديد في الفترة التي أعلنت فيها وزارة السكن بداية التسجيل في مشاريع "عدل"، حيث سارع الكثير من الشبان إلى البحث عن فتاة يعقدون عليها قرانهم من أجل التسجيل في المشاريع الجديدة، وهذا ما أنتج نوعا جديدا من الزواج أطلق عليه المختصون زواج "العقود" ومعنى ذلك أن الشبان يتزوجون على الورق لإدراج عقد الزواج في الملف الإداري للسكن. وسرعان ما تسبب هذا النوع من الزواج في كوارث لا حصر لها، حيث تراجع الكثير من الشبان عن فكرة الزواج بعد إقصائهم من المشاريع السكنية، وهذا ما أنتج شريحة جديدة في المجتمع تتمثل في "مطلقات بلا زواج" ومعنى ذلك أن المرأة تزوجت على الورق فقط ولم يتم الدخول عليها من طرف الزوج ولم تقم عرسا ولم تلتق مع زوجها تحت سقف واحد، وهذا ما جعل الكثير من الفتيات في مقتبل العمل يحملن صفة "مطلقة"، والتي تجعل المرأة في مجتمعنا عرضة للمساومات وسوء الظن. وفي هذا الإطار أكدت رئيس شبكة "وسيلة" للدفاع عن المرأة، رقية ناصر، أن جهل الأولياء وثقتهم العمياء ببعض الشبان الذين عادة ما يكونون من الأقارب أو الجيران أو المعارف، ساهم في انتشار زواج "العقود" وهو حسب المتحدثة، زواج يتعلق بالمصلحة قد تكون للاستفادة من سكن أو ترقية في العمل أو أمور أخرى "وفي بعض الأحيان يفشل هذا الزواج فتصنف الفتاة في نظر القانون في خانة المطلقات، وهو الأمر الذي سيغيّر مستقبلها ويجعلها محل اتهام في الوسط الأسري ". وأكدت أنها استقبلت حالات كثيرة لفتيات وقعن ضحية لهذا الزواج الذي ساهم في انتشاره قانونُ الأسرة في تعديله الأخير في مارس 2005، والذي جعل الزواج عبارة عن وثيقة تُستخرج من البلدية.
زواج الفاتحة أباحه الإسلام و"حرّمه" القانون منع التعديل الأخير لقانون الأسرة جميع أنواع الزواج التقليدي، والمعروف لدى الجزائريين بزواج "الفاتحة" وعند البعض بالزواج "العرفي"، ومنع القانون أيضا التعدّد إلا بموافقة الزوجة الأولى كتابياً أمام أحد القاضي، وهذا ما ساهم في انتشار زواج "الفاتحة" بالنسبة للراغبين في التعدّد سرا، حيث يلجؤون إلى الطريقة التقليدية في الزواج مستوفين كافة الشروط باستثناء العقد المدني والعرس، هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير عند أتباع التيار الوهابي في الجزائر "السلفيين"، الذين أكدوا أنهم لا يعترفون بما جاء به قانون الأسرة المعدّل مكتفين بالعمل بما سمح به الإسلام من زواج تتضمن فيه الأركان الأربعة. وبالرغم من إعطاء وزارة الشؤون الدينية تعليمة صارمة للأئمة تمنعهم فيها من عقد القران "الفاتحة" إلا بتوفر عقد مدني للزواج، إلا أن الكثير من الأئمة يلجؤون إلى تزويج الشباب بالفاتحة تحت شعار "لن نحرِّم ما أحله الله"، هذه الظاهرة ساهمت في انتشار قضايا إثبات النسب في المحاكم الجزائرية، حسبما أكدته ل"الشروق" المحامية بن براهم التي قالت إنها تقف شخصياً على عدد كبير من قضايا إثبات النسب بسبب انتشار زواج "الفاتحة" حيث تلجأ النساء إلى المحاكم لتسجيل أطفالهن والاستفادة من الميراث بعد وفاة الزوج، وهذا ما اعتبرته المتحدثة من مساوئ تعديلات قانون الأسرة عام 2005.
عودة زواج القاصرات قبل ثلاثين سنة كان معدل الزواج في الجزائر يتراوح بين 14 و16 سنة للإناث و17 و19 سنة للذكور، ولم تعرف الجزائر ظاهرة اسمها زواج "القاصرات"، مثلما ظهر في السنوات الأخيرة، بعدما حدّد قانون الأسرة في تعديليه الأخير سنة 2005 سن الزواج ب19 سنة للذكور والإناث على حد سواء، بهدف حماية المرأة من الاستغلال وحماية الأطفال الناجمين عن زواج القصّر والذين يلقى 30 بالمائة منهم حتفهم لأسباب صحية. وفي هذا الإطار تقول رئيسة المرصد الجزائري للمرأة شائعة جعفري ل"الشروق" إن زواج القاصرات في الجزائر بدأ يأخذ طريقه في الانتشار في المناطق الداخلية والقرى والمداشر، بهدف الحفاظ على الفتاة من الاستغلال والانحراف وتأمين مستقبلها منذ الصغر، وأضافت أن هذا الزواج "القاصرات" كان مسموحا في الجزائر قبل 10 سنوات، لكن بعد صدور التعديل الأخير لقانون الأسرة بات ممنوعا حيث حدد سن الزواج ب19 سنة، والمشكل حسب المتحدثة يكمن في نتائج هذا الزواج حيث يعجز المقدمون عليه عن تسجيل زواجهم وتسجيل أطفالهم وهذا ما يترتب عنه حرمان المرأة والأطفال من حقوقهم المدنية. وقالت شائعة إن المشكل لا يكمن في قانون الأسرة بل في المقدمين على هذا الزواج الذي يُعدّ "جريمة" في حق الفتاة من الناحية الصحية والنفسية والعاطفية، مؤكدة أن نسبة وفيات الحوامل والإجهاض كانت مرتفعة في السابق بسبب زواج القاصرات.
حمداش" نحن مع زواج الفاتحة والقاصرات" من جهته، أكد عبد الفتاح حمداش رئيس حزب جبهة الصحوة ل"الشروق" أن قانون الأسرة عرف بعض المواد المعارضة لتعاليم الإسلام على غرار تحديد سن الزواج ب19 سنة، واشتراط موافقة الزوجة الأولى على التعدد وعدم الاعتراف بزواج الفاتحة المستوفي لجميع أركان الزواج، وهذا ما تسبب حسب المتحدث في انتشار قضايا هتك الأعراض والخيانة الزوجية والاغتصاب.. وأضاف حمداش أن "الإسلام لم يعارض زواج القاصرات بشرط أن تبلغ الفتاة المحيض، ويمكن تزويجُها في سن يكون أقل من 18 أو 19 سنة"، وبالنسبة لشرط أخذ موافقة الزوجة الأولى على التعدد يقول المتحدث إنها "ضرب لقوامة الرجل ومنافية لتعاليم الإسلام الذي أعطى الحرية الكاملة للرجل في التعدد شرط العدل المادي بين الزوجات"، وفيما يتعلق بزواج الفاتحة قال حمداش إنه "زواج صحيح مستوفي الأركان ولا حرج فيه"، مطالبا بإصلاح بعض المواد في قانون الأسرة بما يتوافق مع تعاليم الإسلام بتحرير التعدد وسن الزواج لتجنب الفتن.