مصطفى فرحات غصت صالونات الفضائيات العربية ليلة احتفالات السنة الميلادية الجديدة بالمنجمين الذين اشتهروا بقراءة الطّالع والتنبؤ بأحداث العام الجديد، وما سيحمله من حوادث يشهدها العرب وقد تغير شيئا من مسيرتهم المعاصرة المليئة بالتقلبات والانتكاسات والهزائم. ظاهرة الاستنجاد بالمنجمين ليست سُنّة جديدة، وإن اختلفت في شكلها عن الشكل الأول الذي لجأ إليه العرب في الجاهلية، وأضحت من خلاله الكهانة والعرافة مهنة رائجة في أوساط المجتمع المتخلف، وبقيت بعض مظاهرها واضحة المعالم في مسيرة التاريخ الإسلامي، حيث برزت طائفة من المثقفين الذين احترفوا الحديث عن الاقتران الفلكي وما قد يحدث بسبب تقارب الأفلاك والنجوم، ودخول العقرب في برج الميزان، أو اقتران كوكب الزهرة بعطارد وزحل، رغم أن هذه الظاهرة حاربها الإسلام وأكد فسادها وفضح أدعياءها، ورغم أن صناعة التنجيم التي حاولت قراءة الغيب من وراء حجاب كثيف قد بان زيفها وخطأ نتائجها التي تغنى بها المنجمون طويلا. لقد تحول التنجيم إلى مهنة رائجة في عصر التقنية والعولمة، لأن الإنسان بقي مشدودا بخيط يربطه بالسماء، وهو يحاول بكل الطرق معرفة ما لا يمكنه أن يُقاس بالأجهزة الدقيقة أو يخضع للتجربة، ولهذا السبب أصبح المنجمون العرب "نجوما" تحتفي بهم الفضائيات وتطلب رأيهم في قضايا الغيب وعالم الميتافيزيقا، ولهذا السبب أيضا مدّوا هم أرجلهم وفتحوا سجلاتهم ليُحدّثونا عن عالم مجهول أضحى بفضل شعوذاتهم وتخاريفهم عالما معلوما ومكشوفا أمام العيان. ككل عام، تكلم المنجمون العرب، وتمنوا لنا عاما "تعيسا" بسبب المصائب والمآسي التي سنشهدها، ابتداء بموت بعض الزعماء العرب، وانتهاء بحدوث كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات، ومرورا بحدوث مزيد من العمليات الإرهابية، ولم يجرؤ أحدهم على التمادي في "البهتان" ليتحدث عن أشياء جميلة يمكن أن تحدث للشعوب العربية كالسلام وانتشار ثقافة الديمقراطية، وليس صورتها فقط، وكاقتناع الحكام بضرورة التداول السلمي على السلطة، أو تصالح الشعوب مع حكامها، وتحرير الأراضي المغتصبة في العراق وفلسطين وغيرهما. وكأن تنبؤاتهم تخضع بدورها لمقص الرقيب! الغريب في الأمر هو أن المنجمين، على كذبهم، قد يصدقون في هذه التنبؤات، لسبب بسيط هو أن الوضع العربي اليوم لا يمكن له أن يسمح بغير بروز المآسي والكوارث.. ولهذا فقد "صدق المنجّمون.. ولو كذبوا".