كشفت قضية الأساتذة المعتقلين مؤخرا بمصر، مدى تدهور قيمة الأستاذ الجامعي الجزائري داخل بلاده وخارجها، ذلك أن ما حلّ ب 03 أساتذة من جامعة سطيف، حوّل رحلتهم العلمية إلى مصر في آخر أيامها إلى كابوس مزعج بسيناريو مرعب، فالخاتمة لم تكن مسكا بعدما أمسك رجال المباحث المصريين خيطا ظنوا أنه سيقودهم نحو شيء ما دون أي دليل ولا حتى اشتباه، لأن الضحايا لم يحسوا طيلة فترة إقامتهم بمصر في إطار تربص علمي قصير المدى، بأنهم كانوا مراقبين؛ اللهم إلا بعض الحركات غير العادية من بعض الأشخاص بمحيط فندق "دي روز" بشارع طلعت حرب وسط مدينة القاهرة. الشروق، حاولت الرجوع للقضية من زاوية دقائق التعامل وتفاصيل الاستنطاق وغرائب ما وقع عبر سرد عفوي لحقائق الأمور من أفواه أصحابها، والمهم بداية هو عنصر المفاجأة، لأن مباغتة 06 عناصر مدنيين لثلاثة أشخاص بغرفتهم في الفندق دون أي بيان أو تسريح من الجهات المختصة وعدم السماح للضحايا حتى بإجراء مكالمات أو الاتصال بالسفارة يكشف النيّة المبيتة مقدما، خاصة وأن بطاقة الهوية كانت الرشاشات التي بحوزة المباحث، ليتم الحجز بعدها على كل الأغراض الشخصية للأساتذة والتي كانت مصحوبة بعبارة (يا جماعة ممكن سفركم يتأجل شوي) لتنطلق الرحلة نحو المجهول ليلة الثلاثاء، حيث تمّ اصطحاب الأساتذة على متن سيارة تابعة لوحدة العمليات الخاصة بالأمن المركزي بالقاهرة سارت بعدها في صمت تام وبمرافقة 06 عناصر، نحو وجهة مجهولة هي بالتأكيد مركز اعتقال وتعذيب في منطقة صحراوية على ما يعتقد الأساتذة، لأن هذه الأخيرة بها ثكنات عسكرية ومعاهد حربية، في الطريق زاد خوف الأساتذة لما طلب منهم تعصيب أعينهم قبل الوصول للمعتقل الذي تمّ به تكبيل الأساتذة بالسلاسل ووضع أرقام خاصة بهم ونزع ملابسهم لترهيبهم ودفعهم للإعتراف بأي شيء، في ظل الصمت المخيّم (والذي تعكره فقط أصوات المعذبين الآخرين). التحقيقات التي تمّت على انفراد ومعزولة، دامت 41 ساعة، ظن الأساتذة بأنها الأخيرة لهم، حيث كانت بدايتها بالتأكيد على كلمة (أفندم) بدل (حاضر) خلال المناداة، والذي لا يقول "أفندم" أو يتحرّك خطوة عن مكانه طبعا، يتعرّض لضربة كف أو ركلة أو أي مشتق من أنواع التعامل المعروف في المعتقلات وكان يوم الثلاثاء أسود، حيث تعرّض كل أستاذ لحوالي 08 استنطاقات متتالية ومفصولة زمنيا. والغريب في هذا السياق، هو أن الاستنطاق يتم وقوفا، وكان على ما يعتقد الضحايا دون تدوين وهو مجرّد سماع إجابات لمئات من الأسئلة من طرف محققين يعتقد أنهم في الأربعينيات من العمر، تبعا لأصواتهم، علما أن الأساتذة كانوا يقضون حاجاتهم بصعوبة، لأن الدخول للحمام يكون حافيا وفي أوقات معينة، حتى أن أحد الأساتذة كان مريضا بالسلس البولي وأصرّ على الذهاب للحمام، فكان الجواب (اصبر يا ولد ممنوع الآن). وطلب آخر كأس شاي بعدما ضرب الصداع رأسه، فكان الجواب (لو تعدها حوريّك الشاي إزاي)، ما جعل الصمت حكمة منجية من أجوبة مخزية. باستثناء الأسئلة المتعلقة بالوضع الأمني في الجزائر والتفجيرات الأخيرة وتنظيم القاعدة وأيمن الظاهري وتنظيم الجهاد في مصر والسؤال عن الشرقاوي؟؟ شمل التحقيق صنوفا مشابهة من المعلومات تتعلق باللحية والكتب الدينية المحببة للأساتذة ورأيهم في السنة والشيعة، وامتد الأمر أكثر للسؤال عن الصلاة والمقدار المحفوظ من القرآن وأين تمّت عملية الحفظ.. غير أن المفاجأة كانت في السؤال عن الرياضة وكرة القدم وماهو الفريق الأقوى وكان الجواب بالطبع (وفاق سطيف بطل العرب)، وسأل أحد المحققين عن رابح ماجر والفرق التي لعب فيها والتي دربها وكذا الحارس سرباح والمقابلة المشهورة بين مصر والجزائر وآثارها، ما يدل قطعا أن المحققين الذين تداولوا على الضحايا، تيقنوا بأنهم أخطأوا العنوان، فتحولوا إلى أسئلة ليست لها علاقة بالأمن القومي المصري (على فكرة هذه العبارة بيموت فيها الأشقاء المصريين)، ما جعلهم يقرّرون عشية الأربعاء الإفراج عنهم وترحيلهم مباشرة من مطار القاهرة الدولي الذي تزينه الآية الكريمة »ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين« لكن الخروج ليس كالدخول على ما يبدو في أم الدنيا التي ضاقت ب 03 أساتذة شباب لا حول لهم ولا قوة. بقي أن نشير إلى أن الضحايا اعترفوا أن أغراضهم لم تضع منهم ووجدوها كاملة غير منقوصة عند المطار ومؤشر المعاملة تغيّر نحو الأحسن بمرور الزمن وقرب موعد الرحلة التي أرجعت الروح للأساتذة، وكانت قد انتهت بعبارة (أنتم محظوظون، كنتم أسرع ناس دخلوا وخرجوا) وفعلا كانوا محظوظين، لأنهم كانوا معرضين للرمي في المعتقل لمدة أطول (ولا حد شاف ولا حد يسأل). نصر الدين معمري