حمري بحري BAHRI-HAMRI@Yahoo.Fr لا أدري كيف يمكن للمجتمع أن يتطور إذا كانت الأحزاب السياسية يجري فيها الأداء السياسي، بعقلية الشركات الخاصة، وتتعاطى الفعل السياسي بطرق تقليدية، تجاوزها الزمن، ولم تعد قادرة على التأثير في مجرى الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، إلا من خلال المساندة والتأييد لبرنامج فخامة رئيس الجمهورية، وهو برنامج في حقيقة الأمر يحتاج إلى الكثير من الإضافات والتشطيبات، وبتعبير آخر، فيه ماهو معقول وقابل للتنفيذ، وما هو غير معقول، وغير قابل للتنفيذ، وعلى أرض الواقع. إن أي برنامج تنموي، قد تحول دون إنجازه في الوقت المحدد ظروف قد تكون خارجة عن إرادة الكائن البشري، وأخرى ناتجة عن الإهمال واللامبالاة وقلة المتابعة والمراقبة في أحيان أخرى. إن التحالف لا يكون حول برنامج رئيس الجمهورية، وإنما يكون حول خطر مشترك أو حول أفكار لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تضافرت الجهود. أما برنامج رئيس الجمهورية، فيما أتصور، لا يحتاج إلى تحالف حتى يتحقق على أرض الواقع، لأن لدى رئيس الجمهورية حكومة تشرف على تنفيذه من خلال الوزارات والولايات، والبلديات، أما دور الأحزاب بالنسبة لهذا البرنامج فهو المتابعة والمراقبة من خلال المنتخبين في المجالس البلدية والولائية. هكذا يمكن القول أننا لا نملك أحزابا بالمفهوم الصحيح، ولكننا نملك مجموعات تجمعها المصالح ولا تجمعها الأفكار، التي قام عليها الحزب، لأن الحزب ماهو في حقيقة الأمر إلا مجموعة من الأفكار إلتفّ حولها مجموعة من الأشخاص رأوا فيها خلاص المجتمع من مشاكل كثيرة، لو طبقت في الميدان. إن الأحزاب السياسية عندنا، لم يعد في مقدورها إنتاج الأفكار الخلاقة التي تنتقد من خلالها ما يحدث من يوم لآخر من اختلاسات للمال العام واستعمال النفوذ، والرشوة، وسوء تسيير المؤسسات العمومية، وكأن أحزاب التحالف تحالفت من أجل خلق هذا الواقع السريالي لحياتنا السياسية التي تحول فيها العمل السياسي إلى ما يشبه السحر، إذ نجح في تعتيم حواس الأجيال وترويض الحراك السياسي في اتجاه المساندة والتأييد بشكل يبعث على الحسرة والألم. وهنا لابد أن نشير إلى أن التكامل السياسي الذي نتج عن التحالف الرئاسي قد ساعد على الاستقرار السياسي، ولكنه في الوقت نفسه قد ساعد على الكثير من بؤر الفساد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما ساعد بشكل أو بآخر، على قتل روح المعارضة سواء بالنسبة للأحزاب الأخرى أو بالنسبة للمناضلين داخل هذا التحالف الذي تم في غياب المناضلين في القاعدة، وهذا يعني أيضا أن التحالف الرئاسي هو تحالف قيادات الأحزاب وليس مناضلي هذه الأحزاب ومن هنا فإن القمة شيء والقاعدة شيء آخر. إن موت المعارضة، بهذا الشكل التراجيدي يعني موت الديمقراطية والتعددية الحزبية، وموت الرأي المخالف، ونحن نرى أنه لا يمكن أن تكون هناك دولة قوية، بدون معارضة قوية، تجعلها تقرأ ألف حساب وحساب لكل خطوة تخطوها، وهكذا فإن الدولة القوية هي التي تتعدد فيها وجهات النظر، ويتعدد فيها الحوار بين أصحاب الرأي كلما لاحت في الأفق مشكلة من المشكلات. والسؤال الذي ينبغي طرحه في هذه الورقة على الذين ينادون بتعديل الدستور: هل نعدل الدستور من أجل شخص لكي يستمر في الحكم ما شاء، أم نعدل الدستور من أجل مصلحة أمة؟. إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة الأمة، فالمشكل ليس في الدستور وإنما في الذهنيات التي تتعامل مع الدستور، أما إذا كان الأمر يتعلق باستمرار رئيس الجمهورية في الحكم لعهدات أخرى، فالمسألة فيها نظر. صحيح أن فخامة رئيس الجمهورية يتمتع بالكفاءة العالية في إدارة شؤون الدولة، ولكن السؤال المطروح ماذا يحدث ما بعد عبد العزيز بوتفليقة، من يضمن لنا في المستقبل رئيسا بكفاءة هذا المجاهد، ونزاهته، وقد يصل إلى سدة الحكم رجل يكون حكمه غير راشد على الإطلاق، ويعيث في الأرض فسادا، ولا يتنحّى إلا بالحديد والنار. في غياب ثقافة سياسية قادرة على خلق مؤسسات تقوم بتأطير المجتمع، ضمن ثقافات متعددة، مهمتها إعادة تشكيل مدارك الناس يبقى الفعل السياسي ذا جانب هامشي في حياة الناس، وعلى الذين ينادون بتعديل الدستور أن يفهموا بأن الشعب ليس آلة أوتوماتيكية يمكن التحكم فيها، وأن للشعب نظرته الخاصة للأمور، وهو ما تتجاهله الأحزاب، وتتجاهل أيضا الغليان الذي لا تسمعه أذنٌ، ولا تراه عيْنٌ، وتترجمه في بعض الأحيان قوارب الموت في عرض البحر، وحالات الانتحار التي نسمع عنها كل يوم، والتي انتقلت من أذى الشخص لنفسه، شنقا في جذع شجرة أو سقف بيت، إلى أذى الشخص لنفسه، ولمجتمعه، يموت وتموت معه العشرات من الناس الأبرياء، لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا متواجدين في ذلك المكان والزمان... إنها حركة لا تسمعها أذن، ولا تراها عين، ولكنها تدب في نسيج المجتمع في خفاء ويمكن أن تتفجر في أي لحظة ولأبسط الأسباب، والسؤال المطروح: ماذا يحدث ما بعد بوتفليقة؟