تعتبر دار "الشيخ طيب" المتواجدة ببلدية بوغني بولاية تيزي وزو لرعاية الأيتام والتكفل بالأرامل، الأولى من نوعها في الجزائر، إذ لم يسبق لأي مواطن من قبل وأن حول مسكنه العائلي إلى ملجأ لفئة محرومة من المجتمع المتمثلة في الأيتام والأرامل، حيث تقوم دار الشيخ منذ عدة سنوات باحتضان الأرامل والمطلقات وأطفالهن لمدة زمنية غير محدودة خلافاً لمؤسسات وجمعيات رعاية الأيتام الأخرى التي تتوقف رعايتها واحتضانها للأيتام بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة عاماً. تعمل عائلة سي الصالح التي تحظى باحترام وتقدير كبيرين والتي تقطن بوسط بمدينة بوغني الواقعة على بعد 35 كلم في جنوب ولاية تيزي وزو منذ عدة سنوات جاهدة من أجل إرجاع إشراقة الأمل إلى فئة الأرامل والأيتام، التي تبقى بحاجة ماسة إلى كافل يعتني بهم لتجنبهم الضياع والانحراف، حيث يبلغ عدد الأيتام الذين تتكفل دار "الشيخ الطيب" برعايتهم وتربيتهم أكثر من 10 يتامى تتراوح أعمارهم ما بين عام و24 سنة، ويقدر عدد الأرامل اللواتي يعشن بدار الشيخ ببوغني أكثر من 35 امرأة، حيث يقوم صاحب الدار "الشيخ البشير" برعاية الأيتام واحتضان الأرملة وأطفالها، ورعايتهم حتى يتمكن أصغر أبناء الأرملة من العمل والإنفاق على نفسه.
100 سنة في خدمة الفئات المحرومة أبا عن جد تتكون دار الشيخ من طابقين ومقسمة إلى 10غرف تقيم فيها الأرامل مع أطفالهن، وقد انشئت دار الأيتام والأرامل والمطلقات منذ أكثر من قرن حيث حوّل المرحوم "الشيخ طيب" والذي توفي سنة 1958 المسكن العائلي الذي بناه بعرق جبينه إلى مقر لكل فئات المجتمع المتضررة، وورثت عائلة سي الصالح هذا العمل الخيري أبا عن جد وهذا لحماية المجتمع خاصة الأرملة التي تقصر حياتها على تربية أبنائها، حيث يقول صاحب الدار السيد سي صالح محند أمقران المدعو "سي البشير" في لقاء حصري مع الشروق بمسكنه، إن الأرملة هي امرأة عظيمة ينبغي على المجتمع مساعدتها للتفرغ لرعاية وتربية أبنائها، مشيرا إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا ما تحدث على دخول الجنة للمرأة التي تنذر حياتها لتربية أولادها، مضيفا أنه لا يخفى على أحد أن الترمل يمتد الى جميع نواحي الحياة الاجتماعية من فقر وعوز وتدهور أسري وأحيانا فساد أخلاقي مما يعرض الأسرة والأطفال الى الضياع.
دار "الشيخ الطيب" بيت من لا بيت له قصص أرامل تزداد يوما بعد يوم والأطفال هم الضحايا، كلهم يعيشون معاناة وحزنا ليس له نهاية، أرملة قدر لها الله أن تفقد زوجها، ويتيم فقد أحد والديه مسميات عديدة تطلق عليهم يجمعهم قاسم مشترك هو العيش بكرامة تحت سقف بيت واحد أنه بيت الشيخ الطيب، حيث يعمل سي البشير على خدمة الأيتام والأرامل منذ نعومة أظافره، وعن فكرة تحويل دار الشيخ لرعاية الأيتام والأرامل قال محدثنا إن والده المرحوم "الشيخ طيب" هو الذي قرر فتح باب مسكنه لمساعدة الأرامل من خلال احتضان ورعاية أطفالها في دار للأيتام، وحسبه فإن السبب الرئيسي الذي جعل عائلة سي صالح تثابر في العمل الخيري هو الشعور بالآخرين والإحساس بالمعوزين وهذا من خلق المسلم وقد أوصانا الرسول "ص"، وقال "من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كانت له بمثابة اعتكاف عشر سنين وباعد الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق" ويقول الرسول "ص" "خير بيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه"، وهذا ما جعل عائلة سي الصالح تجتهد من أجل مسح الدمعة وزرع البسمة على وجوه الأيتام الذين فقدوا حنان الأبوة وفق ما يتماشى مع ثوابتها المنبثقة من تعاليم الشريعة الإسلامية ومن هنا جاءت فكرة تحويل المسكن العائلي إلى ملجأ يقوم برعاية الأرامل عديمات الدخل مع أطفالهن.
عائلات محرومة تقيم في "الشيخ الطيب" منذ 40 سنة وعن الشروط التي يجب توافرها بالأرملة التي ترغب بالاستفادة من الخدمات التي تقدمها دار "الشيخ طيب" يؤكد محدثنا أن مسكنه العائلي يوفر خدماته للأرملة الفقيرة فقط التي لا تمتلك بيتاً أو غير قادرة على دفع إيجار البيت الذي تسكنه وليس لها معيل، مشيرا إلى أن الأرامل المقيمات في مسكنه لم يكملن تعليمهن، وهن كثيرات من بينها إحدى السيدات التي قدمت من قرية قالوس بضواحي البويرة رفقة ابنها وابنتها إلى دار الشيخ منذ أكثر من40 سنة، وتقول هذه الأخيرة إنها لما توفي زوجها وجدت نفسها في الشارع وهذا ما جعلها تفضل التّنقل الى دار الشيخ ببوغني حيث تمكّنت من تربية ورعاية ابنها وابنتها. أما سيدة أخرى والتي تنحدر من ضواحي واضية فقد انضمت إلى دار الشيخ رفقة ابنتها البالغة من العمر 4 سنوات منذ أكثر من 20 سنة وهذا بعد أن وجدت نفسها دون معيل كون زوجها هرب من البيت الزوجية دون رجعة، في الوقت الذي رفضت فيها عائلتها العودة الى البيت بابنتها ما جعلها تتنقل الى بوغني لتقطن بدار الشيخ، وفي حديث ذا شجون أفصحت عديد الأرامل الأخريات اللواتي يقطنن منذ عدة سنوات بدار الشيخ عن معاناتهن وهن يحاولن توفير لقمة العيش لأطفالهن، وبهذا الصدد تقول إحداهن "لا أملك راتبا وأم لبنتين وكنت أعيش في بيت والدي وفي ظروف غاية في الصعوبة لكن بعد مدة قرر إخوتي طردي الى الشارع فتنقلت الى دار الشيخ حيث وجدنا الرعاية اللازمة"، وفيما انهمرت الدموع من عينيها وهي تتحدث عن معاناتها أسهبت امرأة أخرى في سرد أحوالها قائلة "انا هجرت بيتي رغما عني وهذا مباشرة بعد وفاة زوجي لأقيم في بيت مستأجر وأعيش حياة الكفاف على مساعدات الخيرين من أبناء المنطقة، وأنا أعيش معاناة كبيرة منذ سبع سنين لكن لما سمعت بتواجد بيت يأوي الأرامل والأيتام ببوغني جئت إلى هنا رفقة ابني الوحيد"، أما امرأة أخرى فقد طردها زوجها والتحقت هي الأخرى بدار الشيخ حيث أنجبت ابنها الوحيد والذي يزاول اليوم تعليمه بالمدرسة الابتدائية الإخوة يحياتن ببوغني ويحظى هذا الأخير بالرعاية اللازمة.
أطفال يعترفون "سي البشير أنقذنا من الضياع"
يعتبر سكان بوغني "سي البشير" بمثابة الأب والجد وهم ما أكده لنا احد الأطفال الذي فقد والده وجلبته والدته الى "دار الشيخ"، حيث يقول ان "دار الشيخ" تؤمن لنا كل شيء، مضيفا ان "سي البشير" يحبنا ويعتني بنا كثيراً وكأننا أولاده، لذا أشعر بالدفء والحنان في هذه الدار وكأنني أعيش مع أهلي، فالجميع يحبنا ويعمل على العناية بنا، ويمنح السيد سي صالح للأيتام عناية مضاعفة ويحرص على أن يكونوا من المتفوقين، لكي يتمكنوا من إكمال دراستهم الجامعية، وبالتالي الحصول على فرص أفضل في الحياة ما يقيهم شر الآخرين، لكن متى تتوقف رعاية دار الشيخ للأرملة وأطفالها؟يجيب السيد سي الصالح عندما يتمكن أصغر أطفال الأرملة من العمل وإعالة نفسه هنا ينتهي التزام الدار تجاههم، لذلك نحرص على أن يكمل الأطفال تعليمهم وأن يتبؤوا المكانة التي يستحقونها في المجتمع، ولكن إن وجد من لا يريد إكمال دراسته من الأطفال بسبب ضعفه الدراسي فستعمل الدار على مساعدته بتعلم مهنة لإعالة نفسه والعيش بكرامة. وبسؤالها كيف ستتمكن الدار من القيام بهذه المسؤولية خاصة وأنها بحاجة إلى تكاليف كثيرة للإنفاق على الأرامل والأطفال؟ يقول محدثنا إن ذلك يتم بفضل تبرعات الكثير من فاعلي الخير بالمنطقة وحتى من ولايات أخرى والذين يتصدقون بأموالهم وبمختلف الأغراض من ألبسة وخضر وفواكه وغيرها خاصة وأن دار الشيخ تتحمل دفع فواتير الكهرباء والمياه وتنفق الأموال على جميع المقيمين والمقيمات كما تحرص على متابعتهم من جميع النواحي خاصة الصحية منها، كما يحرص الشيخ البشير على متابعة الاطفال المتمدرسين حتى يكملون دراستهم ويجدون عملا مستقرا حتى يتمكنوا من تحمل مسؤولية بناء أسرة، والشرف العظيم يعود الى تلك العائلة المحترمة التي تحظى بسمعة طيبة بالمنطقة كونها أنقذت المئات من الأيتام والأرامل من التشرد والضياع وأكثر من ذلك كونت عدة أفراد تلقوا الشهادات الجامعية واستطاعوا أن يكونوا أسرا مستقرة، وبدورنا نوجه من هذا المنبر تحية تقدير واحترام لعائلة سي الصالح الذين فتحوا باب بيتهم على مصراعيه للأرامل والايتام.