العربي زواق الحقيقة التي يتفق عليها حولها جميع الجزائريين، هي أن البلد مجتمعا وسلطة وهياكل ومؤسسات، غارق حتى النخاع في الفساد، وإلى الدرجة التي تنذر بأن إمكانية تجاوز الإختناقات المعاشة أمر يكاد يكون متعذرا، إن لم نقل بأنه في حكم المستحيل، خاصة وأن هذا الفساد لم يعد محصورا في جوانب ذات بعد مادي فقط، كما هو حال الرشوة ونهب المال العام والغش في انجاز المشاريع والتزوير للاستحواذ على حقوق الآخرين بغير وجه حق، بل لأن هذا الفساد أصبح ذا بعد معنوي وأخلاقي. إن جرائم القتل الفردي والجماعي سواء ذلك الذي تقوم به الجماعات الإرهابية بدمويتها المعروفة، أو ذلك الذي ترتكبه العصابات الإجرامية خطير، لأنه وببساطة يقضي على حق البني آدم في الحياة، كما أن ظاهرة الإختطاف التي مست حتى الأطفال خطيرة جدا، لأنها غالبا ما تنتهي هي الأخرى بموت المخطوفين، إضافة إلى الترويع والآلام النفسية التي تخلفها على أهالي وأقارب وعائلات المستهدفين من قبل الخاطفين. لا شك أن مثل هذه الحقائق المعاشة خطيرة وخطيرة جدا، كونها تضرب المجتمع ومؤسسات الدولة في الصميم، لكن مع ذلك تبقى إمكانية امتصاص ارتداداتها والنتائج السلبية المتولدة عنها واردة في كل الحالات والأحوال، بعد أن تعود المجتمع على امتصاص حتى همجية الأعمال الإرهابية المدمرة، لكن الأخطر من كل هذا هي ذهنيات المسؤولين الذين تؤكد تصرفاتهم أنهم والإحساس بالمسؤولية المنوطة بهم خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، وإن التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... ولعل الخرجة الأخيرة للمستشار الإعلامي لوزير الشؤون الدينية والأوقاف عبد الله طمين مؤشر خطير على الإنحدار الذي أصبح ينخر ذهنية المسؤولين الذين ابتلي بهم البلد. المؤكد أن ما تحدث عنه مستشار وزير الشؤون الدينية، داء ينخر كل الوزارات وبدون استثناء، إن لم يكن داء وزارة غلام الله لا يساوي شيئا مقارنة مع الأوبئة المماثلة التي تنخر بقية الوزارات، خاصة تلك التي يمكن وصفها ب"الكبرى"، لكن الأخطر من هذا الداء أو هذه الأوبئة، يبقى في أن نظرة المسؤول للمسؤولية محصورة في مدى بقائه في منصبه، ولعلنا لا نذيع سرا إذا ما قلنا احترام أي مسؤول للمسؤولية المسندة إليه يزول بمجرد مغادرته لموقع المسؤولية، وهو ما يعني في المحصلة النهائية، أن لا أحد في البلد يحترم الموقع الذي يجلس فيه، والمنصب الذي يشغله، أو بمعنى آخر أنه يحترم ما يجنيه من المنصب الذي يشغله وليس المنصب في حد ذاته. بعد أن كشف مستشار غلام الله هذا المرض، هل بقي شيء صحي في الجزائر، وهل هناك إمكانية للخروج من مستنقع الفساد الذي غرق فيه الجميع؟... الجواب في أقصى درجات التفاؤل بالشك.