وزارة التربية تتحرّك..    الجيش الوطني يواصل دحر الإرهاب    توقيع اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    البطاقة الذهبية ستتحوّل إلى كلاسيكية    دعوة إلى الالتزام الصارم بالمداومة    حشيشي يتفقد الوحدات الإنتاجية    نائب قنصل المغرب بوهران غير مرغوب فيه    منظمات حقوقية تندد بكافة أشكال التضييق    أوقفوا العُدوان على غزّة..    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    تنظيم حفل ختان جماعي    الشرطة تُعزّز تواجدها    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    دور أساسي للتربية الدينية في إعادة إدماج المحبوسين    إطلاق أول ناد يهتم بصحة الشباب ومحاربة المخدرات    تتويج فريق القناة السادسة بالطبعة الرابعة    خالدي وبن معزوز يمنحان تأهلا سهلا ل"سوسطارة"    تأهل تاريخي لمولودية البيّض إلى نصف النهائي    مخزون كبير في المواد الغذائية    مشروع "بلدنا الجزائر" يدخل مرحلة التنفيذ    حلويات قسنطينية تروي قصة تراث وعزيمة    تخفيضات تصل إلى 50 ٪ في أسعار الملابس    تسويق 238 ألف كيلوغرام من اللحوم المستوردة    تواصل العدوان الصهيوني على جنين وطولكرم ومخيم نور الشمس    صور من الغث والسمين    عمق العلاقات الزوجية وصراعاتها في ظل ضغوط المجتمع    إبراز دور القيم المهنية للصحافة في الدفاع عن الوطن    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    تكريم خطيب المحروسة والواعظة الصغيرة    بلمهدي يستقبل المتوّجين    "سوناطراك" فاعل رئيسي في صناعة الغاز عالميا    أعيادنا بين العادة والعبادة    إنفانتينو يعزّي في وفاة مناد    بوغالي يعزي في وفاة الفنان القدير حمزة فيغولي    سوناطراك: حشيشي يتفقد الوحدات الانتاجية لمصفاة الجزائر العاصمة    إجتماع تنسيقي بين وزارة الفلاحة والمحافظة السامية للرقمنة لتسريع وتيرة رقمنة القطاع الفلاحي    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال هذا السبت    مزيان: تنظيم لقاء مرتقب لمناقشة القيم المهنية للصحافة    وضع حد لأربع شبكات إجرامية تحترف سرقة المركبات بالعاصمة    كرة القدم (مقابلة ودية): مقابلة دولية ودية للمنتخب الجزائري أمام السويد في يونيو المقبل    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    ذكرى يوم الأرض: الفلسطينيون يتشبثون بأرضهم أكثر من أي وقت مضى رغم استمرار حرب الإبادة الصهيونية    شراء ملابس العيد من المتاجر الإلكترونية: راحة و وفرة في العصر الرقمي    كرة القدم: الممثل الاقليمي للقسم التقني على مستوى الفيفا في زيارة عمل بالجزائر    وفاة الفنان حمزة فغولي عن عمر ناهز 86 عاما    العقيد عميروش, قائد فذ واستراتيجي بارع    في يوم الأرض.. الاحتلال الصهيوني يستولي على 46 ألف دونم في الضفة الغربية سنة 2024    مركز التكفل النفسي الاجتماعي ببن طلحة: إفطار جماعي وتقديم ملابس عيد الفطر لأطفال يتامى ومعوزين    اليوم العالمي للمسرح: المسرح الوطني الجزائري يحتفي بمسيرة ثلة من المسرحيين الجزائريين    كأس الجزائر: تأهل اتحاد الجزائر ومولودية البيض إلى الدور نصف النهائي    اختتام "ليالي رمضان" بوهران: وصلات من المديح الأندلسي والإنشاد تمتع الجمهور العريض    هذا موعد ترقّب هلال العيد    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    العمل هو "تكريس لمقاربة تعتمدها الوزارة تجسيدا لتوجيهات رئيس الجمهورية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    حج 2025: برايك يشرف على اجتماع تنسيقي مع وكالات السياحة والأسفار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشروق تحضر تشييع جنازة الشهيد مغنية: نصر الله 'بدأ العد التنازلي لنهاية اسرائيل
نشر في الشروق اليومي يوم 15 - 02 - 2008

يوم بكت فيه السماء وهي تنعي المجاهد الشهيد عماد مغنية، وهو ذات اليوم الذي تلبدت فيه السحب القاتمة فوق سماء بيروت منذ ثلاث سنوات حين سقط الشهيد رفيق الحريري، وإذا كان الأخير قد فتح صفحة مؤلمة في تاريخ لبنان ملؤها التوتر والدماء والمصير المجهول، فإن الأول فجر‮ براكين‮ الغضب‮ ضد‮ الإرهاب‮ الصهيو‮ ‮ أمريكي،‮ ووضع‮ العالم‮ كله‮ على‮ حافة‮ الخطر،‮ "‬الشروق‮" غطت‮ لحظة‮ بلحظة‮ أحداث‮ هذا‮ اليوم‮ الفاصل‮ في‮ تاريخ‮ الشرق‮ الأوسط‮ والعالم‮.
بيروت‮: وليد‮ عرفات
كانت خطبة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أهم حدث على الإطلاق يوم الخميس الماضي، فقد رسمت هذه الخطبة حدود حرب لا حدود لها بين حزب الله والكيان الصهيوني، وهي الحرب التي لن يكون مسرحها لبنان وفلسطين المحتلة فقط، بل ستمتد لتشمل دول أخرى من العالم.
وحين ظهوره كانَ السيد حسن نصر الله ثابت القلب، قوي العزيمة، راسخ الإيمان، واثقا بالنصر، فأعلنها بكل قوة "أردتموها حرباً مفتوحةً فلتكُن حرباً مفتوحةً في كلِ أرض". وقد أعلنت إسرائيل حالة التأهب بين قواتها البرية والجوية والبحرية، خشية من انتقام حزب الله.
الرجل‮ يعرفُه‮ شعبه‮ أنه‮ بالحق‮ ينطق،‮ وبالصدق‮ يقول،‮ وعبر‮ سلسلةٌ‮ من‮ الرسائلِ‮ القصيرة،‮ جعل‮ السيد‮ نصر‮ الله‮ دم‮ عماد‮ مغنية‮ السلاح‮ الذي‮ سيخرج‮ "‬إسرائيل‮" من‮ الوجود‮.‬
الكلمة التي ألقاها السيد نصر الله كانت متلفزة وحملت معاني ومضامين مهمة وحاسمة، وأكد سماحته أن الشهيد عماد كان من الجنود المجهولين المجاهدين الذين يدافعون عن قضايا الأمة، مشددا على أن حق عماد على الأمة أن تنصفه، وقال سماحته ليس الآن وقت إنصافه لكن خلال الأيام الآتية سوف نقوم بجزء من واجبنا، وأضاف هم أي الصهاينة - يرون في استشهاد الحاج عماد إنجازا كبيرا ونحن نرى فيه بشارة عظيمة بالنصر الآتي والحاسم، معتبرا انه يجب من الآن أن نؤرخ لمرحلة بدء سقوط دولة "إسرائيل"، مشيرا إلى أن دم عماد مغنية سيخرجهم "الصهاينة" من الوجود.
ولفت السيد نصر الله إلى أن مؤسس الكيان الصهيوني "بن غوريون" يقول إن "إسرائيل" تسقط بعد خسارة أول حرب مشيرا إلى أن الصهاينة اعترفوا بخسارة حرب 2006، وأن تقرير فينوغراد لم يستطع أن يخفي مرارة الحقيقة التي تقول مئات المرات بالفشل الكبير والعجز والضعف‮ والوهن‮ على‮ مستوى‮ القيادتين‮ السياسية‮ العسكرية‮. وتابع‮ نصر‮ الله‮ : "‬إسرائيل‮ خسرت‮ أول‮ حرب‮ وبات‮ محكوما‮ عليها‮ بالسقوط‮ وستسقط‮ إن‮ شاء‮ الله‮".‬
وقال السيد نصر الله: بهذا الدم الزكي ستكتمل نتائج هذا الدم من القادة لتجرف بصدقها ونقائها وطهرها هذا الكيان السرطاني الغاصب والمزروع في جسد الأمة الإسلامية، وأضاف ليطمئن كل المحبين والقلقين وليعرف العدو انه ارتكب حماقة كبيرة جدا، وأقول للصديق والعدو لا ضعف‮ ولا‮ خلل‮ في‮ جسد‮ المقاومة‮ وأخوة‮ عماد‮ سيواصلون‮ طريقه‮ ومشروعه‮ وجهاده،‮ ودم‮ الحاج‮ رضوان‮ يزيدنا‮ قوة‮ وتماسكا‮ ووحدة‮ وصلابة‮ وحافزا‮ لمواصلة‮ الطريق‮ بأفق‮ أوسع‮.‬
وقال نصر الله إن فينوغراد يقول إن عدة آلاف صمدوا لعدة أسابيع أمام أقوى جيش في الشرق الأوسط، مؤكدا انه في أي حرب مقبلة ترك لكم عماد عشرات الآلاف المجهزين المدربين الحاضرين للشهادة.
وإذا أشار سماحته إلى أن اغتيال الشهيد مغنية كان خارج الأرض اللبنانية توجه للصهاينة بالقول لقد اجتزتم الحدود، مضيفا "أمام هذا القتل في الزمان والمكان والأسلوب إن كنتم تريدون هذا النوع من الحرب المفتوحة فليسمع العالم كله، فلتكن الحرب المفتوحة"، وأكد "أننا نملك حقا مقدسا بالدفاع عن النفس وكل ما يحمي قادتنا وإخواننا سنقوم به إن شاء الله‮".‬
ووصف السيد نصر الله ما جرى في احتفال 14 فيفري بحفلة الشتائم مؤكدا انه يربأ أن يرد على ذلك في هذه المناسبة، لكنه أكد أن لبنان لن يكون إسرائيليا في يوم من الأيام ولن يكون موطئا للصهاينة، ولن يكون أمريكيا ولن يقسم ولن يفدرل، ومن يطلب الطلاق فليرحل من هذا البيت إلى أسياده في واشنطن وتل أبيب، وسيبقى لبنان بلدا للوحدة والشراكة، وسيبقى رغم أنوف الأقزام بلدا للمقاومة وبلدا للكرامة الوطنية، وبالرغم من أولئك الذين يستدعون الجيوش ويستدعون الفتنة فلبنان باق بلدا للوحدة والشهادة والسيادة والعزة.
تشييع‮ عظيم‮ لشهيد‮ حزب‮ الله
إن السماء التي صبت غضبها على المحتشدين في ساحة الشهداء، معربة عن رفضها لأولئك الذين يتاجرون بدماء وأرواح الأبرياء، شاركت سحبها مئات الآلاف من جماهير المقاومة الإسلامية حزنهم، فظلت تبكي في وداع الشهيد عماد مغنية.
وفي‮ مجمع‮ سيد‮ الشهداء‮ في‮ الرويس‮ بالضاحية‮ الجنوبية،‮ حيث‮ اكتظ‮ قرابة‮ نصف‮ مليون‮ من‮ مختلف‮ المناطق‮ اللبنانية،‮ من‮ البقاع‮ والجنوب‮ والشمال‮ وباقي‮ المناطق‮ في‮ مراسم‮ تشييع‮ القائد‮.‬
فبعد كلمة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، والتي قدم خلالها رسالة تعزية من الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد أعقبتها كلمة متلفزة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ثم الصلاة على جثمان الشهيد التي أمها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم سار المشيعون على وقع الموسيقى حاملين الرايات وصور الشهداء والقادة على طول جادة الشهيد هادي نصر الله وراء نعش الشهيد الذي حمله جنود حزب الله إلى روضة الشهيدين في منطقة الشياح، حيث ووري الثرى. وسط استمرار تقبل العزاء في المجمع من قبل عائلة الشهيد وقيادة حزب الله‮ بالشهيد‮ القائد‮.‬
مهرجان‮ الشتائم‮ والركوع‮
المكان ساحة الشهداء بقلب العاصمة بيروت، الزمان من الساعات الأولى للصباح حتى منتصف نهار يوم الخميس 14 فيفري، حيث ظلت مئات الآلاف من أنصار فريق السلطة تتوافد على الساحة من مختلف المناطق اللبنانية، اذ أقيمت منصة يسبقها شريط افتتحه قادة فريق 14 آذار، وخلفها شيدت أبراج محصنة من الحديد والزجاج شكلت واق اختبأ وراءه قادة الفريق المذكور، ليبدأ مهرجان الشتائم الذي افتتحه جنبلاط وجعجع واختتمه الحريري الصغير، وكالعادة وزعت الأدوار والكلمات بالصورة النمطية التي اعتدناها، فقد ركز جعجع ضرباته على المعارضة بقيادة حزب الله غير آبه بالفاجعة التي ألمت بالحزب بفقدانه أحد قياديه البارزين.
في حين أخذ جنبلاط يتلاعب بدماء الرجل التي لم تبرد بعد لخدمة أهدافه الشخصية، فبرأ الصهاينة من جريمة اغتيال مغنية ولصقها في سوريا تماما مثلما فعل مع الحريري، وبطريقة تفضح الأسلوب الدموي للرجل الذي قال "انظروا ما حدث بالأمس .. بدؤوا يقتلون بعضهم" في إشارة لسوريا وحزب الله، وبتلميح خبيث إلى تفسخ الحلف القائم بينهما، وسار الحريري على نفس النهج حينما اختتم وصلة الردح بكلمة "والله أعلم"، عند تطرقه للحديث عن الشهيد عماد مغنية، متهما هو الآخر سوريا بارتكاب الجريمة، وأخيرا انتهت هذه الحفلة العدوانية دون أن يقدم أولئك القادة لأنصارهم أي حلول للأزمة القائمة في البلد، بل على العكس قاموا بصب الزيت على النار وغذوا مشاعر الكراهية والتحفز لدى المتعصبين من أولئك الأنصار، وكان مسك الختام حين أزيل الستار عن تمثال ضخم للراحل رفيق الحريري، الذي التف حوله الأنصار هاتفين ومهللين بل وساجدين.
وبعد ذلك تأججت مشاعر الحقد لدى المندسين بين تلك الجموع الغفيرة، والذين حاولوا استفزاز بعض أفراد المعارضة المعتصمين بالخيام، لكن الأعداد الكبيرة من الجنود المنتشرة، والأسلاك الشائكة فصلت المتظاهرين عن أنصار المعارضة الذين ينفذون اعتصاما منذ أكثر من عام، وحين فشل أولئك الأنصار بدؤوا يعترضون سبيل الناس والإعلاميين، حتى أن ثلة منهم سرقوا آلة التصوير وبعض المتعلقات الشخصية منا، وغادروا المكان بكل أمان وهم شاهرين أسلحتهم البيضاء.
الحكم‮ بالموت‮ على‮ القمة‮ العربية
الذكرى الثالثة لاغتيال الحريري اكتسبت أهمية خاصة هذا العام في ظل تفاقم الأزمة السياسية بين فريقي الموالاة والمعارضة والفراغ الرئاسي والمخاوف من التدهور الأمني، وكان من الممكن لأولئك المتمسكين بكراسيهم رغم أنف اللبنانيين أن يقدموا بعض التنازلات من أجل هذا البلد الحزين، لكن لا أحد من أولئك يهمه لبنان ولا حتى اللبنانيين، ولا أدل على ذلك من إعلان الحريري بأنه "لا قمة عربية بدون رئيس لبنان"، مثل هذا الإعلان يحمل أكثر من إشارة، فهو يحكم مسبقا على القمة العربية بالفشل، ويؤكد تمسك السلطة برفض طلبات المعارضة والمبادرات المطروحة لحل أزمة رئيس الجمهورية، وأن فريق السلطة متمسك برأيه حتى لو كان ذلك على حساب دماء اللبنانيين أو لبنان برمته، وكان واضحا لكل من عمرو موسى والساعين لحل الأزمة اللبنانية أنه لا أمل في انفراج الأزمة في ظل تعجرف وتسلط الفريق الحاكم.
حزب‮ الله‮ يوفد‮ فريقا‮ إلى‮ دمشق
أوفد حزب الله فريقا أمنيا إلى العاصمة السورية دمشق، لمساعدة السلطات هناك في التحقيق في حادثة اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية يوم الثلاثاء الماضي. وكانت دمشق قد أكدت الخميس أنها بدأت التحقيق في حادثة الاغتيال، التي قضى فيها مغنية بانفجار مفخخة في حي آمن من أحياء دمشق.
وتعهد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني منوشهر متكي الذي زار سوريا، بأن تثبت سلطات بلاده، "بالدليل القاطع" من هي الجهة التي تقف وراء الاغتيال، وإن كان قد اتهم إسرائيل بذلك ضمنيا من خلال إجابته على أسئلة الصحفيين،‮ فيما‮ وجه‮ كل‮ من‮ حزب‮ الله‮ وإيران‮ الاتهام‮ مباشرة‮ لإسرائيل.‬
بيروت‮: وليد‮ عرفات
الأبعاد الخفية في اغتيال عماد مغنية.."الثعلب" الذي دوّخ مخابرات العالم
اكتنف الغموض حادثة اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية، حينما لزم قادة الحزب الصمت ولم يفصحوا عن مصرعه إلا بعد ساعات طويلة من حادثة انفجار سيارة في العاصمة دمشق.
ولم يشر الحزب من قريب أو بعيد إلى الكيفية التي لقي بها مصرعه، واكتفى فقط بإعلان اغتيال مسئوله العسكري في انفجار بحي تنظيم كفر سوسة بالعاصمة السورية دمشق صباح الأربعاء 13-02-2008، تاركًا حتى الآن تساؤلات حارة على هذا الصعيد تتناقض مع حالة البرود التي كشف فيها عن الحادثة، والغموض الذي يلف رد الفعل المتوقع، مكتفيًا بتوجيه اتهام صريح لإسرائيل بالقيام بعملية الاغتيال.
وسوريا من ناحيتها لاذت بالصمت حيال الحادثة التي وقعت على أرضها وحيال تفسيرها، تاركة هي الأخرى مزيدًا من الدخان الكثيف والضباب القاتم على الحادثة ودوافعها ومن يقف ورائها، ولم تتجاوز بعد حد الإدانة التي باتت الرد الرسمي على كل حادثة انتهاك للسيادة السورية وأراضيها.
ومن خلال هذا الغموض المحيط بالحادثة يمكننا أن نمسك بخيوط من الضوء، من خلال التعرض لتلك الجهات التي يمكن أن تقف وراء اغتيال مغنية كونها مستفيدة من حادثة الاغتيال على المستوى العسكري أو الاستخباري أو حتى المعنوي.
من وراء قتل عماد مغنية؟!
عماد مغنية هو ثالث قيادي من حزب الله يتم اغتياله بعد راغب حرب الذي قتل في قريته جبشيت عام 1988وأمينه العام عباس الموسوي الذي اغتالته مروحية عسكرية إسرائيلية جنوب لبنان عام 1992.
ولاشك أن تلك العملية التي تعتبر ضربة كبيرة لحزب الله واختراقًا أمنيًا كبيرًا لصفوفه يمكن لأكثر من جهة أن تكون ورائها، كون مغنية ملاحق من قبل أكثر من جهاز أمني واستخباري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الغربية.
أولا؛ الولايات المتحدة الأمريكية
فالولايات المتحدة وضعت مغنية على رأس قائمة أهم المطلوبين لديها ورصدت ما يزيد عن 25 مليون دولار ثمنًا لمعلومات تقود إليه، فكم تدفع في سبيل القضاء عليه؟!
ولعل البيان الذي عبر عن الارتياح بالتخلص من مغنية والذي جاء بعد ساعات من حادثة الاغتيال على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض توحي بأن الرجل لم يكن طوي النسيان من الذاكرة الأمريكية، التي تشبعت بلدغات و ضربات حملت مغنية مسئوليتها، ومن ضمنها التفجيرات التي استهدفت قوات المارينز والسفارة الأمريكية في بيروت عام 1983، وخطف مسئول الاستخبارات الأمريكية في بيروت وليام باكلي.
ثانيا؛ إسرائيل
أما من ناحية إسرائيل، فهي تلاحق مغنية منذ سنوات طويلة عانت فيها من الفشل الذريع في الوصول إليه، فهو المسئول من وجه نظرها عن عدة عمليات موجعة على رأسها استهداف مركز لها في العاصمة الأرجنتينية عام 1992.
ورغم غياب اسم مغنية في الفترة الأخيرة فقد عادت حرب صيف 2006 لتضع مغنية من جديد على رأس القائمة المطلوب تصفيتها لعدة أهداف لعل أهمها مسئوليته المباشرة عن إدارة الصراع العسكري خلال تلك المواجهات التي لم تستطع إسرائيل أن تفعل شيئًا كثيرًا حيالها، ومن ثم يهمها كثيرًا على مستوى الدولة أن تسترد جزءًا من هيبتها وقوتها الرادعة في مواجهة حزب الله على الأقل في المستوى الاستخباري بعد فشلها في الميدان العسكري.
وعلى المستوى القيادي في الداخل الإسرائيلي فإن اليد المرتعشة التي يدير بها رئيس الوزراء إيهود أولمرت دفة الأمور بعد مواجهات حزب الله وإدانة تقرير فينوجراد لإدارة الصراع إبان فترة الحرب تجعله في حاجة إلى نصر معنوي يرفع من أسهمه المتداعية ويحفظ ائتلافه الهش.
وصحيح أن إسرائيل بادرت بعد ساعات من إعلان حزب الله مصرع مسئوله العسكري إلى نفي مسئوليتها عن الحادثة، إلا أن هذا النفي لا يدحض من فرضية كونها وراء الفعل بصورة أو أخرى، فهي على ما يبدو تلجأ إلى سيناريو الغموض والتعتيم الزمني كما كان الحال عقب اختراق المجال السوري وضرب أهداف محددة في العمق، وكما هو معلوم من قبل عن استراتجيها العسكرية المرتكزة على الغموض النووي لا على مستوى الوجود ولكن على مستوى التقدم والإمكانيات.
ثالثا؛ الاستخبارات الغربية
الاستخبارات الغربية سايرت الولايات المتحدة في وضع عماد مغنية على رأس قائمة المطلوبين لديها، خاصة فرنسا التي حمّلت من قبل مغنية مسئولية قصف مقر قواتها في لبنان في العام 1983.
ومن المشهود والمعهود أن تلك الاستخبارات تمارس ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 عملياتها ضد الأهداف المطلوبة أو التي هي محل اشتباه من قبلها على نطاق واسع وفي سرية تامة بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية. ولعل حادثة خطف الملقب ب"أبو عمر المصري" بتعاون وثيق بين عدة أجهزة استخبارية أوروبية تعطي بصيصًا من الضوء على التعاون الحثيث بين هذه الأجهزة التي تتبع من تصفهم بالمطلوبين والخطرين.
وهذه الفرضية تفتح المجال واسعًا أمام تصور تعاون أو ائتلاف متعدد الجوانب يضم الثلاثي (أمريكا إسرائيل أوروبا) قد تلاقت إرادتهم جميعا على التخلص من هذه الشخصية المزعجة، وكان حصاد العملية نتيجة جهد ثلاثي متناغم من حيث التخطيط والاختراق والتنفيذ.
*هل تقف الصراعات الإقليمية وراء مصرع مغنية؟
في جانب الفرضيات المتعلقة بمصرع عماد مغنية، سنجد أن حزب الله قد بات نقطة تلاق للعديد من الدول الإقليمية التي تتشابك علاقاتها في صورة تعاونية تارة وصراعية تارة أخر،ونقصد بذلك سوريا وإيران ولبنان.
فحزب الله يعد الأداة والذراع الممتد إيرانيًا وسوريًا في الداخل اللبناني، معطلاً مجرى الحياة السياسية ومتحديًا كل الأطروحات التي سعت لإيجاد مخرج للأزمة الخانقة في البلاد، وبقيت لبنان رهينة القرار السوري الإيراني.
وكلا الدولتين نجد لها أجندات أخرى إقليمية ودولية ترتبط بصورة ما بالولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل، ومن هنا يأتي السؤال الافتراضي: هل دارت الدائرة على حزب الله وقياداته وبدأ العد التنازلي للتضحية به على مسلخ المصالح التي لا تعرف صديقًا دائمًا ولا عدوًا يبقي كذلك أبد الدهر؟
وهل لتلك التسريبات حول رغبة إيران في قيادات جديدة لحزب الله أكثر قربًا وتفهمًا لمصالحها من القيادات الحالية السياسية الممثلة في حسن نصر الله والعسكرية الممثلة في عماد مغنية والتي ترى فيها ولاء للجانب السوري أكثر من الإيراني دور خفي وراء الحادثة، وما قد يستتبعها من أحداث؟!
نعم قد تجد تلك الفرضية ما يدعمها في كون الوصول إلى مغنية الملقب ب"الثعلب" وتصفيته لابد وأن يكون مصحوبًا بخروقات أمنية واسعة في صفوف حزب الله أو القوى الإقليمية القريبة منه وتسهيلاً من بعض الأطراف المطلعة، وتطرح تساؤلاً ملغزًا عن كيفية الوصول لمغنية في غيبة من أجهزة الأمن والاستخبارات السورية، مع كونه الشخصية الأهم في الحزب، ولكنها مع ذلك تصطدم بعقبات قد تقف حائلاً دون الاسترسال فيها والوثوق المطلق بها، وتجعلها رهينة الانتظار ربما لسنوات طويلة قبل أن تتكشف بعض الحقائق المتعلقة بالصراع في داخل حزب الله أو عليه.
* من يضع الفلفل الحار في أنف حزب الله؟!
أيضًا في جانب الفرضيات تلك المتعلقة بحادثة الاغتيال يأتي السؤال عمن يهدف إلى وضع الفلفل الحار في أنف حزب الله ويجره مجددًا إلى مواجهة مع إسرائيل؟!
فهل ثمة أطراف إقليمية تسعى لإيقاد حرب وكالة جديدة بين حزب الله وإسرائيل من خلال الاستفزاز عالي النبرة باستهداف قادة الحزب ليأتي الرد متناسبًا مع الهدف، ثم تصب نتائج تلك المواجهات في مصلحتها بصورة أو أخرى؟!
فالخدمات التي يقدمها حزب الله لبعض القوى الإقليمية جعلت منه خادمًا وحيدًا لأسياد كثر قد تتعارض مصالحهم أحيانًا وتتوافق أحيانًا أخرى، وعليه هو أن يدفع الثمن في كل مرة، وعليهم هم أن يحصدوا الثمار في كل مرة.
فهل ثمة من يتعجل نمو الثمار ويرى في الشتاء القارص فرصة مواتية للبذر حتى إذا ما أتى لهيب الصيف تكون الفرصة السانحة للحصاد؟!
يبقى القول في النهاية أن اغتيال مغنية باب مفتوح لاحتمالات لا تنتهي، وقد يكون من المبكر جدًا الاستقرار على فرضية واحدة أو الركون إليها باطمئنان.
وبقدر تعدد تلك الفرضيات تتعدد كذلك السيناريوهات المتعلقة برد الفعل المتوقع من قبل حزب الله، وبما يمكن أن تكون عليه تطورات الأحداث في المنطقة الحبلى بالأحداث المصيرية والخطيرة.
المصدر/مفكرة الإسلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.