تسلط الأزمة السياسية الحالية في زيمبابوي الضوء على كيفية تعاطي الزعماء الأفارقة مع أزماتهم ومشاكلهم الداخلية والتي تختلف عن تلك التي يعتمدها نظراؤهم في العالم العربي. فبينما تتنصل معظم القيادات العربية من روابطها وعلاقاتها وترضخ لضغوط الخارج مثلما فعلت على سبيل المثال مع العراق ونظام صدام حسين، تبقى القيادات الإفريقية متماسكة وعلى موقف واحد إزاء أزمة زيمبابوي، حيث رفضت التخلي عن الرئيس روبرت موغابي وتمسكت بشرعية حكمه، رغم أن الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، كل هذه القوى تعارض ذلك وتمارس ضغوطها على الاتحاد الإفريقي من أجل سحب البساط من تحت أقدام موغابي.. * وكان معظم الزعماء العرب قد تخلوا عن صدام حسين بمجرد أن بدأت إدارة جورج بوش تحرك آلتها السياسية والعسكرية باتجاه بغداد، وكانت النتيجة أن سقط نظام صدام وسقطت معه دولة العراق التي حولها الاحتلال الأمريكي إلى خراب ودمار. * وبغض النظر عن كون الرئيس الزيمبابوي يعكس الوجه الحقيقي للزعيم الإفريقي الذي وصل إلى السلطة إما بانقلاب عسكري أو عن طريق انتخابات مزورة ومايزال يرفض مبدأ التداول على السلطة ويمارس الإقصاء ضد المعارضة، إلا أن التعاطي الإفريقي مع أزمة هذا البلد يثبت أن الأفارقة مايزالون يحافظون على استقلاليتهم في حل مشاكلهم وأنهم قادرون على قول "لا" للغرب الذي غاليا ما يؤدي تدخله في الأزمات الدولية إلى تعقيدها أكثر.. * ويحكم روبرت موغابي البالغ من العمر 84 عاما، زيمبابوي منذ عام 1980، وبدأ يثير قلق القوى الغربية بسبب رفضه للهيمنة الأجنبية على بلاده، كما سلطت عليه الأضواء بعد ما لجأ إلى أساليب غير شرعية لضمان بقائه في السلطة مدى الحياة، ومنها قمع المعارضة بمختلف الأشكال لمنعها من الوصول إلى مركز القرار، وهو الذي قال مؤخرا وبصريح العبارة: "المعارضة لن تتسلم الحكم في زيمبابوي مادمت على قيد الحياة.."، وقال أيضا "هل يمكن أن يتولى الخونة حكم البلاد.. هذا مستحيل.."، وانفجرت الأزمة السياسية الأخيرة في هذا البلد الواقع في في القسم الجنوبي الشرقي من وسط القارة الافريقية والذي تحرر من الاستعمار البريطاني عام 1965، منذ شهور وبالتحديد عند إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 29 مارس الماضي، فقد رفض روبرت موغابي نتيجة الانتخابات التي فاز فيها زعيم المعارضة مورجان تشانجيراي الذي يرأس حزب "حركة التغيير الديمقراطي" بنسبة 47 بالمائة مقابل 43 بالمائة من الأصوات لموغابي. ولم يكتف الرئيس برفض نتيجة الانتخابات وإنما شن حملة اعتقالات واغتيالات في صفوف حزب "حركة التغيير الديمقراطي" الذي اتهم بالخيانة وبأنه يتلقى الأموال من الولاياتالمتحدة وبريطانيا.. كما عمت البلاد موجة من أعمال العنف خلفت مئات القتلى والجرحى.. * وبالرغم من معارضة القوى الغربية، أجريت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في جوان الماضي وخاضها الرئيس روبرت موغابي دون منافس بعد ما انسحب مرشح المعارضة من السباق الرئاسي بسبب اتساع رقعة أعمال العنف التي اندلعت بين الجولتين الانتخابيتين. وفاز موغابي في الجولة الثانية بنسبة فاقت 90 بالمائة من أصوات الناخبين، ونصّب نفسه رئيسا للبلاد في سادس ولاية رئاسية له. ورفضت المعارضة الاعتراف بشرعية الرئيس ووصفت تلك الانتخابات بأنها مهزلة كاملة ودليل على يأس النظام الحاكم في زيمبابوي. * وبدورها القوى الغربية، وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبي قالت أن تلك الانتخابات غير شرعية وانتقلت من مرحلة الضغط على نظام موغابي إلى مرحلة التحرك الفعلي داخل مجلس الأمن من أجل فرض المزيد من العقوبات الدولية على هذا النظام. وتشير آخر الأنباء إلى أن واشنطن تستعد لتقديم مشروع قرار إلى المجلس اليوم الأربعاء يدعو إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى زيمبابوي وحظر سفر مسؤولين بحكومتها وتجميد الأصول المالية لكبار المسؤولين وعدد من الشركات.. وقد رد مستشار موغابي على الغرب بالقول "يمكنهم أن يضربوا رؤوسهم في الحائط.."، وذلك ردا على أسئلة الصحفيين على هامش قمة الاتحاد الإفريقي التي احتضنها منتجع شرم الشيخ المصري. * غير أن مواقف الغرب هذه لا تجد صداها لدى الزعماء الأفارقة، حيث رفضوا الطعن في شرعية الرئيس الزيمبابوي، ورفضوا الرضوخ لضغوط واشنطن ولندن وسمحوا له بالمشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي في شرم الشيخ. ويكفي أن عميد الرؤساء الأفارقة رئيس الغابون عمر بونغو اونديمبا قد أعلن أمام وسائل الإعلام العالمية على هامش قمة الاتحاد الإفريقي أن "روبرت موغابي هو رئيس زيمبابوي وقد انتخب وأدى اليمين الدستورية.. ونحن الأفارقة لسنا مرغمين على إتباع التعليمات التي تأتينا من وراء البحار.."، ويرفض الأفارقة عزل موغابي وإبعاده عن السلطة مثل ما تسعى القوى الغربية ويعملون في المقابل من أجل إيجاد حل تفاوضي بين طرفي الصراع في هذا البلد الإفريقي على غرار ما حدث مثلا في كينيا، وهو ما أشار له معظم الزعماء الذين تدخلوا في جلسات قمة الاتحاد الإفريقي.. وكانت الأزمة الكينية قد انتهت ببقاء الرئيس مواي كيباكي في منصبة وإنشاء منصب رئيس الوزراء تولاه زعيم المعارضة رايلا اودينغا. وتقوم جنوب إفريقيا بوساطة لحل أزمة زيمبابوي بطريقة ترضي طرفي النزاع، أي النظام والمعارضة، وقد دعا الرئيس تابو مبيكي إلى مفاوضات بين الطرفين من أجل تشكيل حكومة انتقالية.