ما الذي يجعل فريقا مثل إتحاد البليدة، المحاط بجبال الشريعة وغاباتها الخلابة، يسافر شرقا نحو قرية صغيرة بتونس من أجل التحضير؟ وما الذي يجعل أولمبي الشلف وهو المدرسة الكروية الواعدة يحج نحو تونس وغابات الونشريس تحيط به من كل مكان؟ وما الذي يجعل مولودية قسنطينة التي لا تبعد عن مقرّها حظيرة جبل الوحش إلا بمسافة ربع ساعة، حيث الأدغال والبحيرات وتعتمر نحو تونس؟!.. * ميزانيات ب500 مليار وملاعب بالعشب الإصطناعي * * الأكيد أن في الحكاية "حكاية أخرى" تروي سبب تدهور كرتنا، إلى درجة أن مولودية العلمة تسولت لعدّة أيام في تونس لمقابلة النجم الساحلي، وعندما قبل هذا الفريق بالعرض، اشترط مواجهة مولودية العلمة بفريق مكوّن من الاحتياطيين. الأشقاء التوانسة وهم يشاهدون شباب بلوزداد واتحاد الحراش وشبيبة بجاية ومولودية باتنة ومولودية العلمة وجمعية الخروب واتحاد عنابة وأهلي البرج وأولمبي الشلف ووداد بن طلحة ومولودية قسنطينة واتحاد سطيف ووداد تلمسان وغيرها من الفرق المزدحمة في تونس.. الأشقاء عندما يشاهدون هذا المنظر الغريب، يدركون لماذا منتخبهم التونسي يشارك بانتظام في المونديال ونغيب نحن عن أمم إفريقيا، ويدركون لماذا تفوز فرقهم بكأس إفريقيا للأندية وتشارك في مونديال الأندية، بينما تقصى فرقنا المسماة بالكبيرة في أولى أنفاس المسابقة. * * ملاعبنا بالطارطون.. وربع مليار في تونس * قرية عين الدراهم التونسية التي هي أصغر من حيدرة وبلكور والحراش، تكاد شوارعها تتحوّل إلى ميادين من العشب الطبيعي، وسكانها لا يفهمون لماذا فريق نقول عنه أنه بطل العرب، مازال يلعب على العشب الاصطناعي الذي يكسو ملعب سطيف، ولا يفهمون لماذا فريق نقول عنه أنه الأحسن وطنيا مازال يلعب على العشب الاصطناعي الذي يكسو ملعب تيزي وزو. والغريب أن فرقنا التي تتحضر في تونس مثل بلوزداد والشلف والحراش والخروب واتحاد سطيف ستمضي أياما على العشب الطبيعي وتلعب بطولتها في ملعبها المعشوشب اصطناعيا، ضمن معادلة مضحكة لا علاقة لها بكرة القدم الحقيقية. وتكلف رحلة تونس كل فريق ما لا يقل عن 250 مليون، هي بالتأكيد من أموال الدولة، حيث يخنق كل رئيس ناد المسؤولين المحليين لمدينته من أجل الملايير ليصرفها بعد ذلك على اللاعبين، وعلى تربصات تونس. أما بقية الفرق الغنية، فتختار أوروبا، كما يفعل عادة وفاق سطيف والقبائل والعميد وسوسطارة، وتكلفة التربص في تونس ليست غالية، خاصة أن عين الدراهم توفر ميادين جميلة وفندقة مقبولة، إضافة إلى أن فرق شرق البلاد تتنقل نحوها برّا، وهي لا تبعد عن عنابة إلا بنحو ساعتين فقط. * ولم يخطئ مناصر عنابي عندما اقترح لعب فريقه في عين الدراهم بصورة دائمة؛ لأن مدينة عنابة برغم ملاعبها المعشوشبة طبيعيا، مثل 19 ماي وشابو والحجار، إلا أنها عجزت عن بعث مركز تدريب يليق بفريق قال رئيسه أنه سيصرف هذا الموسم 40 مليار سنتيم. * * فرق القسم الأول تصرف 50 مليون دولار وتعجز عن إنجاز مركز تدريب * صدمنا عبد الحكيم سرار عندما قال أن فريقه مجبر على بذل 60 مليارا هذا العام، وقد صرف لحد الآن 11 مليارا في الاستقدامات الجديدة فقط، وهو غير بعيد عن عيسى منادي، رئيس عنابة، الذي صرف لحد الآن 16 مليارا في انتظار 40 مليارا، الرقم الذي من المحتمل أن تحرقه عنابة هذا الموسم، وهو ذات الرقم الذي ستصرفه فرق اتحاد ومولودية العاصمة وشبيبة القبائل، ولن تقل ميزانية الشلفوبجاية وغيرها عن العشرة مليارات ليقارب رقم مصاريف فرق القسم الأول فقط حوالي 500 مليار خلال الموسم الرياضي القادم (2008 2009) أي أكثر من 50 مليون دولار، تكفي لبناء عشر مركبات رياضية أفخم وأجمل من مركب عين الدراهم.. ولكن!! * كل رؤساء الأندية يفكرون فيما هو بين أيديهم وفي موسمهم فقط، لأجل ذلك يخوضون البطولة ولا همّ لهم سوى أداء موسم ممتاز مع الألقاب، كما أن مديريات الشباب والرياضة المدعم الأول للفرق لا تتحدث إطلاقا عن التجهيزات الرياضية، والمؤسف أنها هي التي تمنح الأموال لهاته الفرق للتربص في الخارج ولا تجبرها على إصلاح الملاعب التي تبقى من صلاحيات السلطات الولائية والبلدية، وأحيانا الوزارة المعنية، ولا دخل إطلاقا لهاته الفرق التي تبتلع من أموال الشعب حوالي 50 مليون دولار، ناهيك عن بقية فرق الدرجة الثانية وما بعدها من درجات. * * مهزلة سرايدي.. ومنتخبنا يتسوّل مكانا للتحضير * عندما سألنا المدرب الوطني رابح سعدان عن اختياره الدائم التحضير في فرنسا، سألنا هو أيضا "وهل نمتلك نحن مكانا لتحضير منتخب وطني؟!".. وهكذا اكتشفت الجزائر أنها فعلا لا تمتلك مكانا لائقا لتحضير منتخب وطني أو أي فريق آخر. وإذا كان الأوربيون في راحتهم الشتوية، حيث تشلهم الثلوج والبرد، يسافرون إلى تونس والمغرب ومصر وحتى ليبيا ودول الخليج للتحضير، فإنهم لن يسافروا إلى الجزائر؛ لأنها ستوفر لهم ملاعب من البساط الإصطناعي وتعجز عن إيوائهم في فنادق لائقة ومراكز تحضير بدنية وصحية، وهذا على الأقل خلال السنوات العشر القادمة، وما يوجد عليه مركز التأهيل الرياضي بمرتفعات سرايدي بأعالي عنابة دليل على أننا نسير إلى الخلف وللأسف بالسرعة القصوى، فقد كان هذا المركز مكانا للتحضير بالنسبة لحمراء عنابة في زمنها الذهبي، ثم حلت أيام الأزمة الأمنية، فسكنته عائلات (عين بربر) وتحول إلى مأوى، وقضت الجزائر على الإرهاب واسترجعت سرايدي السلم وعجزت عن استرجاع مركبها الرياضي. والي عنابة السابق، إبراهيم بن غايو، وعد بحل أزمة مركز سرايدي، ووزير الرياضة السابق يحيى ڤيدوم أقسم بإعادته إلى سنواته الذهبية، وبقي الوعد والقسم مجرّد كلام حتى في زمن المليون سكن، حيث بقي مركز التأهيل الرياضي بسرايدي مركزا للسكن ومراحيض وحمامات جماعية. * في كل مدينة جزائرية بجبالها وغاباتها وتضاريسها بالإمكان إنجاز (عين الدراهم)، لكن للأسف كل الفرق وحتى السلطات المحلية والمركزية تلهث عن النتائج الآنية وفقط، والنتيجة أن كل أنديتنا تحج إلى قرى وحمامات تونس للتحضير لأجل التباري فيما بينها أو تقسيم ذات الفريق، كما يفعل هذه الأيام إتحاد الحراش الذي يواجه نفسه، ولن ننتظر بعد هذا بطولة قوية نظيفة ولا تألق لأنديتنا في بطولة رابطة أبطال إفريقيا ونخشى أن لا ننتظر شيئا من منتخبنا في تصفيات كأس إفريقيا والعالم!!