بدعوة كريمة من "مركز الدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954" حضرت ملتقى دور ومساهمة الجزائريين في حركة التحرر العربي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين التي انعقدت في فندق الأوراسي يومي 19و20 أفريل2015. وكان نصيبي أن ألقي في اليوم الأول مداخلة سألت فيها القاعة عن المجاهد الجزائري الفلسطيني محمود الأطرش ودوره في الأحزاب الشيوعية العربية مشرقا ومغربا وفي الثورة الجزائرية التي انضم إليها في وقت مبكر.. لكن الأهم من مداخلتي كانت مداخلات الأساتذة، فقد نفض المحاضرون الغبار عن أسماء تجاهلتها كليا المصادر الفرنسية ومن يعتمد عليها من الباحثين الجزائريين، فهذه أول مرة يسمع الجزائريون عن المجاهد الجزائري اللبناني عبد السلام بوعزة الجزائري الذي وضع ثروته في خدمة الثورة الجزائرية وقبلها في خدمة تحرير المغرب العربي، وعرّفنا الأستاذ المحاضر الدكتور مصطفى نويصر على هذه الشخصية الجزائرية العصامية وقدّم حولها شهادات قيمة مثل شهادة المرحوم عبد الحميد مهري الذي عرف بوعزة عن قرب وعمل معه في المشرق لصالح الجزائر، وكان نويصر باحثا حقيقيا فقد تتبع الرجل في الميدان وسجل شهادات حية عنه. أما الباحث الآخر الذي تعلمت منه في هذا الملتقى، فهو الأستاذ الدكتور علي تابليت، فقد تحدّث عن مجاهد جزائري جاهد في الجزائر وتونس واستامبول ودمشق وفي برلين وكانت له نشاطاته في ألمانيا للمطالبة باستقلال الجزائر.. وتمنيت في الكواليس على الأستاذ المحاضر أن يزوّدني بنسخة من محاضرته عن هذا الرجل الذي أهالت المصادر الفرنسية التراب الكثيف على سيرته وتاريخه لأنه تحرك على الساحة الدولية للمطالبة باستقلال الجزائر.. وذلك لتعليمنا نحن الجزائريين بأننا لم نعرف وطننا ولم نطالب باستقلاله إلا من خلال فرنسا وديمقراطيتها، وهو بالقطع كلام هراء؛ فالجزائريون عرفوا وطنهم قبل فرنسا ودافعوا عنها ضدها وطالبوا باستقلاله من خلال ثقافتهم وليس من خلال الثقافة الفرنسية، وتحرك مع الدول الكبرى قبل الحرب العالمية الأولى مثل ألمانيا والخلافة العثمانية وغيرهما. وهنا يحق لنا أن نسأل: هل تعترف وزارة التربية الوطنية عندنا بجهود الباحثين الجزائريين وبتصحيحاتهم الموثقة للتاريخ الوطني وتدرجها في مناهجها وكتبها المدرسية؟ أم لازال مؤلفو الكتب المدرسية يعتمدون على المصادر الفرنسية المشهورة بتزييفها لتاريخ الشعوب الإفريقية من خلال مدرستها البربرية الاستعمارية في كتابة التاريخ؟ وعلينا هنا أن نشيد بوزارة المجاهدين من خلال أهم مؤسسة من مؤسساتها وهي مركز الدراسات الذي قدم لنا حتى الآن مئات الكتب لكبار الباحثين والمؤرخين الجزائريين: سعد الله، يحيى بوعزيز، قنان، سعيدوني، المدني وغيرهم كثير، وعلينا أن ننوّه بمدير المركز الدكتور جمال يحياوي الذي يثبت يوما بعد يوم أنه قادر على إدارة مؤسسة علمية بحثية ويبحث وراء التاريخ الجزائري في كل بلدان العالم. وكم أتمنى أن تقيم هذا الملتقى كل سنة مرة تتناول فيها موضوعا من الموضوعات، ذلك أننا فهمنا من الأساتذة المحاضرين أن الدور الجزائري في حركة التحرر العربي كان واسعا ومنوّعا وعميقا، فهناك أدوار ثقافية لغوية ودينية وأدوار سياسية.. بل إنهم من أوائل الذين أقاموا مؤسسات للمجتمع الديني عدا عن أدوارهم العسكرية والجهادية. بل علمنا من الأستاذ علي تابليت أن الجزائريين كانوا موجودين بشكل أو بآخر في الثورة الأمريكية في القرن الثامن عشر. ولكن لنا أن نأسف على صحافتنا الوطنية، فالتغطيات حول هذا الملتقى الهام لم تكن بمستواه؛ لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، ويبدو أن بعض مديري صحفنا ومؤسساتنا الإعلامية لا يعترفون بوجود مفكّرين جزائريين يستحقون التغطية كمّا وكيفا، سوى "المفكر الكبير" الشاب خالد أطال الله شبابه ومنع شيبه.