بعد أن أصدر القضاء الانقلابي حكمه المسيّس بإعدام مرسي والعشرات من قيادات الإخوان، بدأت التساؤلات تنصبّ عن إمكانية تنفيذه هذا الحكم الجائر في ظل الرفض الداخلي والدولي الواسع له. ويبدو الحكم بمثابة ورقة في يد النظام الانقلابي لمساومة الإخوان على الكفّ عن المناداة بعودة الشرعية، وإنهاء حركتهم الاحتجاجية، وانتزاع اعتراف منهم ب"شرعية" السيسي، مقابل إلغاء هذا الحكم وغيره من الأحكام الثقيلة، وإطلاق سراح المسجونين، وربما رفع الحظر عن نشاطات الجماعة... الاحتجاجات الشعبية مستمرّة منذ قرابة عامين في الشوارع والجامعات، وهي تزعزع استقرار مصر، وتؤثر في تدفق الاستثمارات الأجنبية والسياح على البلد.. واستمرارها، ولو بشكل محدود ومتقطّع، سيفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أكثر، لاسيما وأنه لا يمكن المراهنة على بقاء تدفق المساعدات المالية الخليجية لأوقاتٍ طويلة، بسبب تراجع أسعار النفط وتآكل احتياطاتها المالية والتكلفة الباهظة لحرب اليمن. ومادام القمع الدموي الذي اعتمده النظام الانقلابي منذ 3 جويلية 2013 إلى الآن، قد عجز عن إخماد الاحتجاجات الشعبية، وهي لا تزال متواصلة إلى الآن ولو بأعدادٍ قليلة من المتظاهرين، فإن استمرارها لوقت أطول يعني تواصل الشلل الاقتصادي بمصر، والأفضل للنظام هو معالجة الأزمة سياسياً واستعمال الأوراق التي بحوزته لجرّ الإخوان إلى صفقة سياسية تنهي الاضطرابات وتسمح بعودة الاستقرار إلى البلد. ومع ذلك، قد يلجأ النظام الانقلابي إلى إعدام مرسي وقيادات الإخوان لإنهاء مطلب "عودة الشرعية" الذي يرفعه المتظاهرون منذ قرابة عامين، وقد يكون إعدامُ 7 من "صغار" الإخوان مؤخراً، وربما عشرات آخرين قريباً، بمثابة تمهيد لإعدام القادة لاحقاً. قد يُقدم النظام على تنفيذ حكم إعدام مرسي وقيادات الإخوان، أملاً في إنهاء الاحتجاجات ووضع أنصارهم أمام الأمر الواقع، ولكن هذه الخطوة ستكون محفوفة بالمخاطر وقد تأتي بنتيجة عكسية تماماً وتؤجّج الشارع أكثر وتتسع حلقة العنف والاضطرابات ويتواصل عدم الاستقرار بمصر سنوات طويلة. وربما كان النظامُ الانقلابي يتمنى أن ينجرّ الإخوان إلى ممارسة العنف لإيجاد مبرّر للقضاء عليهم عسكرياً، وقد يستعملون ورقة إعدام مرسي وقيادات الإخوان لدفع أنصارهم إلى حمل السلاح، ولكن الأرجح أن يواصل الإخوان تمسكّهم بالنهج السلمي ومقاومة الانقلاب عن طريق التظاهر في الشارع قصد استنزافه، إلا أن الأمل يبقى معقوداً على انضمام شرائح مصرية أخرى إليهم في حراكهم لإنقاذ ثورة 25 يناير من براثن الدكتاتورية العائدة. لا خوف على الإخوان من الاندثار تحت وطأة القمع والإعدامات والمطاردات والتعذيب في السجون.. فكل هذه الأساليب الاستبدادية خبِروها منذ 87 سنة كاملة وصمدوا أمامها في حين آل الجبابرةُ إلى مزبلة التاريخ، والسيسي لن يختلف عنهم مهما طال الأمد، لكن المشكلة تكمن في عودة مصر إلى عهد ما قبل الثورة والتخندق مجدداً ضد قضايا الأمة، ويكفي أن نرى كيف تتصرّف مع غزة لنعرف أنها عادت كما كانت؛ شوكة في حلق الأمة، ولا أمل في تغيير هذا الوضع ووضع حدّ لتغوّل النظام الانقلابي سوى أن يدرك الشعب المصري برمته أن الأمر لا يتعلق بالإخوان وحدهم بل بإجهاض ثورته، ويتحرّك لاستعادتها.