في الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، التي تُصادف، الثلاثاء، ما من حي في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، إلا وتتراكم في طرقاته ما خلفه العدوان الهمجي (الثالث). وانسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 في خطوة أحادية الجانب، وشن بعد ذلك في أواخر عام 2008 وبداية 2009 حرباً أولى، وشن مجدداً في نهاية 2012 عدواناً ثانياً. في السابع من جويلية 2014، شنت إسرائيل حرباً على قطاع غزة، أسمتها "الجرف الصامد"، انتهت في 26 أوت 2014، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تدير القطاع، "العصف المأكول". ولا يزال حطام ما خلفته الحرب (قدرته وزارة الأشغال الفلسطينية بنحو 2.5 مليون طن)، ماثلاً أمام أعين الفلسطينيين، يذكرهم بقسوة آثار العدوان الإسرائيلي ومرارته. وعلى مدار 51 يوماً تعرض قطاع غزة، الذي يُعرف بأنه أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، (1.8 مليون فلسطيني) لعدوان عسكري إسرائيلي جوي وبري، تسبب باستشهاد 2147 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأة، و102 مسناً، فيما جُرح 11 ألفاً، بينهم ألفاً باتوا يعانون "إعاقة دائمة"، بحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية. وارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجازر بحق 144 عائلة، استشهد منها ثلاثة أفراد أو أكثر، بحسب التقرير. في المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكرياً من جنود جيش الاحتلال، وأربعة مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكرياً، حوالي نصفهم باتوا معاقين، بحسب بيانات عبرية نشرت الأسبوع الماضي. وخلال الحرب، أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس في 20 من جويلية 2014، عن أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري للجيش الإسرائيلي شرق مدينة غزة. وبعد يومين، اعترف الجيش الإسرائيلي بفقدان آرون، لكنه رجح مقتله في المعارك مع مقاتلي حماس. وتتهم إسرائيل حركة حماس باحتجاز جثة ضابط آخر يدعى هدار غولدن قُتل في اشتباك مسلح شرقي مدينة رفح، يوم 1 أوت 2014، وهو ما لم تؤكده الحركة أو تنفه. ومؤخراً، نشرت الصحف الإسرائيلية تقارير حول إمكانية وجود أسرى أحياء لدى حركة حماس، التي تلتزم "الصمت". وشنت القوات الإسرائيلية قرابة 60 ألفاً و664 غارة على القطاع، جواً وبراً وبحراً، وحسب إحصائية، أعدتها وزارة الأشغال ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن عدد الوحدات السكنية المهدمة كلياً بلغت 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن. ووفق بيانات للأمم المتحدة، فإن مراكز الإيواء التابعة لوكالة الأونروا استطاعت استيعاب ثلاثمائة ألف نازح، في أكثر من واحد وتسعين مدرسة، ومنشأة تابعة للمنظمة الأممية. ولا يزال نحو 22 ألف فلسطيني مشردين، حتى اللحظة في مراكز الإيواء والمساكن المؤقتة، أو لدى عائلاتهم الممتدة وفق إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية. ووزعت وزارة الأشغال ومؤسسات خيرية عربية ودولية "منازل متنقلة" للمتضررين بفعل العدوان الأخير. وتقول لجنة الإيواء في الوزارة: "عدد الوحدات السكنية المؤقتة (الكرفانات) التي يقطنها أصحاب البيوت المدمرة بلغ نحو 600 منزل متنقل، يعيش سكانها في ظروف غاية في القسوة". وبحسب إحصائيات مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن الهجوم تسبب بالتدمير الكلي ل22 مدرسة بالإضافة إلى تضرر 118 مدرسة أخرى. وخلال 51 يوماً من الحرب، قدرت وزارة الاقتصاد الفلسطينية الخسائر الإجمالية المباشرة وغير المباشرة، في المباني والبنية التحتية، وخسائر الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بكافة قطاعاته ب5 مليارات دولار تقريباً. ولحق الضرر 500 منشأة اقتصادية من المنشآت الكبيرة والإستراتيجية، والمتوسطة والصغيرة. ووفق وزارة الزراعة، فإن الحرب، تسببت بخسائر في القطاع الزراعي، وصلت 550 مليون دولار. وتقول وزارة الأوقاف، إن إسرائيل دمرت خلال العدوان 64 مسجداً بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 150 مسجداً بشكل جزئي. واستهدفت الطائرات الإسرائيلية، أكثر من 20 مستشفى ومركزاً صحياً، بحسب وزارة الصحة. ووفق نقابة الصيادين، فإن نحو أربعة آلاف صياد، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة، تعرضوا لخسائر فادحة طيلة العدوان، تجاوزت ستة ملايين دولار. وتسببت الحرب، برفع عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة، وفق بيان لاتحاد العمال الفلسطينيين. وفي 22 ماي الماضي، أصدر البنك الدولي، بياناً قال فيه إن "نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت 43 في المائة، وهي الأعلى في العالم، وأن نحو 80 في المائة من سكان القطاع يحصلون على "إعانة اجتماعية"، ولا يزال 40 بالمائة منهم يقبعون تحت خط الفقر". وفي 26 أوت 2014، توصلت إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية، إلى هدنة أنهت حرب ال51 يوماً، وتضمنت بنود الهدنة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة في غضون شهر واحد من بدء سريان وقف إطلاق النار. وتوافق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي، في 23 سبتمبر من العام نفسه، على عقد مفاوضات غير مباشرة، بوساطة مصرية، بهدف تثبيت التهدئة، ولم يتم تحديد موعد جديد لاستئناف تلك المفاوضات حتى الساعة. ومنذ إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة جرى تسجيل حوادث فردية لسقوط قذائف صاروخية على جنوبي إسرائيل، تبنت إطلاقها جماعة غير معروفة، يُعتقد أنها تتبنى الفكر السلفي الجهادي، وتطلق على نفسها اسم "سرية عمر حديد"، وهو ما رد عليه الجيش بقصف مواقع لحركة حماس، كونها "الجهة المسؤولة عن القطاع". وبعد عام من الحرب لم يبدأ الإعمار الفعلي لما خلفته الحرب، بسبب العراقيل التي تضعها إسرائيل في وجه إدخال مواد البناء. وقد تعهدت دول عربية ودولية في أكتوبر الماضي بتقديم نحو 5.4 مليارات دولار، نصفها تقريباً تم تخصيصه لإعمار غزة، فيما النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير إن إعمار القطاع، وترميم آثار ما خلفه العدوان، يسير بوتيرة بطيئة جداً عبر مشاريع خارجية بينها أممية، وأخرى قطرية. وفي الرابع والعشرين من جوان الماضي أعلن مفيد الحساينة وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني، انطلاق مرحلة إعمار المنازل المدمرة كلياً بفعل الحرب، عقب التوصل مع السلطات الإسرائيلية إلى اتفاق لإدخال مواد البناء لإعمار المنازل المدمرة ولمن يرغب بالبناء، بإشراف من فريق المراقبين الدوليين لمراقبة توزيع مواد البناء التابع للأمم المتحدة. وأوضح خلال مؤتمر صحفي، أن تلك الاتفاقية تفتح المجال لأصحاب المنازل المهدمة كلياً، أو للأشخاص الذين يرغبون بإنشاء بناء جديد، أو إضافة طوابق جديدة، بتملك مواد البناء اللازمة للقيام بأعمالهم. وبعد عام من الحرب نشرت صحف إسرائيلية وعربية عن وساطة دولية بين حماس وإسرائيل بشأن تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة. وكان إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قال في تصريحات له في شهر مارس الماضي، إن حركته لا تعارض مقترح "الهدنة مع إسرائيل"، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تفرد إسرائيل بالضفة الغربية.