قبل ثماني سنوات كانت معلوماتي محدودة حول الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، ومع ذلك فقد تفاعلت معها إيجابيا لجهة حق الإمارات فيها من زاوية قومية، * لدرجة أنني كنت أؤكد على هذا الحق في معظم أحاديثي مع المثقفين العرب، غير أنني فوجئت بعد التحاقي للعمل في جريدة الاتحاد في أبو ظبي بباحث إماراتي يبلغني أن قضية الجزر يمكن النظر إليها من زاوية مصلحة الطرفين، الإماراتيوالإيراني، ولديه ما يؤكّد الحسم التاريخي لأحد الطرفين على حساب الآخر، مستندا في شهادته تلك على الوثائق التاريخية. * احتفظت بهذا الرأي مع قراءاتي المتواصلة لمعظم ما كتب حول الجزر، غير مكتف بالموقف الرسمي لدولة الإمارات، والذي كان واضحا في افتتاحيات الجرائد المحليّة ومقالات الكتّاب، إلى أن التقيت بأحد الدبلوماسيين الإيرانيين فناقشته في موضوع الجزر ومدى مساعدته لي على إجراء ملف ميداني في إيران، يكون عبر البحر، والبحر يبدأ من الجزر لينتهي في طهران، تأملني الّرجل مليا ثم قال: * يمكن أن أساعدك في الحصول على التأشيرة إلى طهران مباشرة، ودعك من موضوع الجزر. * وحين سألته: هل موقفه هذا نابع من كون السلطات الإيرانية لا توافق على الزيارة إذا كانت تتضّمن إعداد ملف حول الجزر أم لأسباب أخرى؟ * أجابني: لا أدري إن كانت توافق أم تمانع، لكن الجزر ليست ميدانا مناسبا لإجراء التحقيقات؛ لأنها مليئة بالأفاعي والثعابين والعقارب. * علّقت ضاحكا: إذا كانت الجزر كما ذكرتم فلماذا تحتلونها؟ * عندها انتفض الرّجل وردّ علي غاضبا: * مشكلة العرب أنهم يتعاملون معنا في موضوع الجزر بما يخدم مصالحهم المادية التي تتحقق بمجرّد أن يصدروا بيانات عن طريق جامعة الدول العربية، ثم ينبري أمثالكم من الصحفيين للكتابة عن حق الإمارات في الجزر. * منذ ذلك اللقاء زاد اهتمامي بموضوع الجزر، والحقيقة أنا مدين لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتجية بمعرفة الجوانب التاريخية والقانونية لموضوع الجزر، وذلك من خلال الكتاب الذي نشره حولها وحمل عنوان "الجزر الثلاث المحتلة لدولة الإمارات العربية المتحدة" تأليف "الدكتور توماس ماتير" وتقديم الدكتور "جمال سند السويدي"، مدير المركز. * الكتاب السابق يعتبر في نظري من أهم الكتب العربية والإنجليزية حول موضوع الجزر، لذلك يعتبر مركز الدراسات محقا حين بيّن موقف الإمارات من خلال نشرته اليومية "أخبار الساعة"، مؤكدا ذلك من ناحية المرجعية التاريخية والقانونية والحضارية، وتأييد المجتمع الدولي واحترامه، وموقف إيران المعتمد على سياسة فرض الأمر الواقع. من ذلك التصرفات الأخيرة المتمثلة في قيام السلطات الإيرانية بإنشاء مكتبين في جزيرة "أبو موسى" المحتلة، أحدهما للإنقاذ البحري والآخر لتسجيل السفن، وما تبع ذلك من تصريحات وتهديدات صدرت عن مسؤولين إيرانيين، وانطوت على رسائل سلبية تجاه دول مجلس التعاون، بالرغم من التقارب الذي ظهر في الشهور الماضية من خلال تبادل الزيارات بين المسؤولين على أعلى المستويات في البلدين، ومن أهمها زيارة الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" إلى الإمارات وإلى دول خليجية أخرى، منها: قطر والسعودية والكويت. * عمليا لم تكتف إيران بإحداث تغيير في جزيرة أبو موسى، بل جددّت تأكيد أحقيتها فيها، وذلك بالإشارة إلى أنها جزء لا يتجزأ من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولجأت إلى خطاب سياسي دأبت على اعتماده كلما قوبلت برد فعل إماراتي وخليجي وعربي حول تثبيت سياسة الأمر الواقع. وفي هذا السياق، قال "حسن قشقاوي"، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: إن سوء الفهم حول الجزيرة يمكن تسويته في إطار الحوار الثنائي مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ومذكرة تفاهم عام 1971، في معرض رده عن موقف الإمارات من الانتهاكات التي قامت بها بلاده. * الدعوة الإيرانية السابقة لا يكمن التعويل عليها، ليس فقط لكونها سياسة تميزت بها دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنهجا اعتمدته منذ احتلال جزرها الثلاث، وإنما لأنها تتناقض مع الفعل الذي تقوم به إيران، خصوصا في المرحلة الراهنة، الحبلى بتطورات قد تنتهي بحرب تضر بكل دول المنطقة. من هنا يتساءل المراقبون عما إذا كانت الخطوة الإيرانية مجرد استفزاز أم تحضيرا للساحة، بحيث يغدو مجال الحرب خارج الأراضي الإيرانية؟ * بعيدا عن الأخوة في الدين وعلاقات الجوار والمصالح المشتركة، فإن بعض الباحثين يعتبر مسألة الجزر تركة ثقيلة لصفقة تمت بين إيران الشاه وعراق صدّام بإشراف وزير خارجية حزب العمال البريطاني السابق "جورج براون"، حيث حصل الشاه بموجبها على الجزر الثلاث الإماراتية كعربون لحصوله بعدها على موقع متميّز في شط العرب مقابل أن يتخلى على دعمه للحركة الكردية، ووافق الرئيس صدام على هذه الصفقة مقابل السيطرة على شمال العراق المشتعل في ذلك الوقت. * الآن وقد أخذ الأكراد حقهم في العراق وإيران أخذت أكثر مما كانت تطمح إليه في شط العرب، فإنه ينبغي إعادة النظر في الصفقة السابقة؛ لأنها لم تعد عادلة، كما صرح بذلك الباحث والكاتب العراقي المعروف "حسن العلوي"، وعلينا نحن العرب في مختلف المواقع أن ننظر لهذه القضية من زاوية المصير المشترك، ولكل دوره في موقعه لجهة تحقيق ما هو تاريخي وقانوني ومبدئي، بغض النظر عن حساب الدولة والقطرية، وأيضا التوترات والاختلافات داخل فضاء الأمة الواحدة.