رغم أن فيلم "الحب في زمن الكوليرا" للمخرج مايك نيويل المقتبس عن رائعة ماركيز بنفس العنوان، لم يدخل الجزائر بطريقة رسمية بعد، لكن القرصنة مكنت المتفرج الجزائري من مشاهدة الفيلم، وربما بطريقة سهلة جدا، هذا لأني عندما اتصلت بصديق اسأله عن الفيلم الذي قرأت عنه في مواقع الانترنيت. أكد لي أن الفيلم موجود في محلات "الفيديو تيك" بالعاصمة وبشكل عادي جدا، وقد تكفل هذا الصديق بإحضار الفيلم الذي شهادته نهاية الأسبوع. وربما لأول مرة أثني على القراصنة وأدرك أن للظاهرة بعض المنافع، خاصة وأن نسخة الفيلم التي شاهدتها على "الدي في دي" لم تكن رديئة وربما أحسن من بعض أفلامنا التي يصورها المحترفون. كان هوس مقارنة الفيلم بالرواية الخالدة لماركيز هو الخلفية التي قادتني لمشاهدة عمل مايك نيويل الذي استغرق 138 دقيقة اختصرت 348 صفحة من إحدى أروع روايات ماركيز "الحب في زمن الكوليرا" وجسدت جهد 22 سنة من محاولات هوليود لتحويل هذه الرائعة إلى عمل بصري خان في النهاية الكثير من تفاصيل العمل الروائي، عندما حاول المخرج البريطاني الجنسية أن يلتزم بشكل حرفي بأحداث ووقائع القصة فخان المضمون في سياق البحث عن الوفاء للشكل، وهذا برغم الجهد المتجلي في الفيلم للممثل الاسباني الكبير خافيار بارديم في دور فلورنتينو اريثا، والممثلة الايطالية جيفانا ميزغيرونو. ورغم حيوية صوت شاكيرا الذي رافق الموسيقى التصويرية، لكن العمل ككل افتقر إلى البعد الروحي لعمل ماركيز الذي اعتمد على عبقرية السرد الشعري والتكثيف في استعمال الروائح والتفاصيل الدقيقة التي قدم عبرها إحدى أعظم قصص الحب في القرن العشرين. الفيلم اختار أن يبدأ في منتصف الرواية عندما سقط الدكتور خوفينال أوربينو (بنيامين برات)، زوج فيرمينا داثا على السلم ومات، ربما لإعلان القطيعة مع زمنين مفصليين في الفيلم، هو زمن موت الحب الثاني وبداية العودة للحب الأول الذي ظل يرافق البطل طيلة 53 عاما برغم ارتمائه في أحضان 622 امرأة، محاولا أن يعيش جسد حبيبته في أحضان الأخريات، لكن "روحه تحتفظ بعذريتها". ولكن الأداء يبقى غير مقنع، لأن الهدف من الرواية كان التركيز على الحب في معناه الروحي كعنصر فاعل في بعث الحياة وتجاوز الأزمات استعمل فيها ماركيز الروائح والموسيقى والألوان والأشياء وحتى الطبيعة في رسم أقدار شخصياته التي عجز سيناريو (رونالد هارود) في إخراج كل مكوناتها الداخلية، فكانت الشخصيات تؤدي دورها بطريقة كلاسيكية شبيهة بنقل عمل شكسبيري على خشبة مسرح حديث بأداء كلاسيكي قديم، فحضر الهيكل والشكل وغاب المضمون. في نهاية الفيلم ولقاء البطلين يؤكد فلورنتينو اريثا "اكتشفت بعد 53 سنة أن الحياة هي التي لا حدود لها و ليس الموت" وهو قول يلخص مدى صعوبة نقل عمل مثل "الحب في زمن الكوليرا" من وقائع روائية إلى صور بصرية.