لايزال فيلم "الحب في زمن الكوليرا" الذي بدأ عرضه هذه الأيام في كبرى قاعات السينما في لندن، يثير ضجة كبيرة في أوساط النقاد والسينمائيين، بسبب حالة العجز التي سجلت في الفيلم الأخير للمخرج البريطاني مايك نويل، عن تحويل رواية غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للآداب (1982) إلى مشاهد وعروض تعكس المستوى الفني لقصة الحب الأسطورية التي عاشها فلورينتينو اريثا، مع فيرمينا اديثا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، قرب نهر ما غدالينا بكولومبيا. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها المخرج مايك نويل لتحويل الرواية إلى مشاهد حية، إلا أن غالبية النقاد سجلوا أن الفيلم كان بعيدا كل البعد عن تحويل الرواية، التي تبقى إحدى أهم التحف الأدبية في العالم لما تضمنته من أسلوب وقوة في النص الروائي، إلى فيلم يعكس المستوى الفني الراقي للقصة وللمشاهد النصية الراقية التي تعكس المستوى الراقي للروائي غابرييل غارسيا ماركيز. وحتى مشاهد الفيلم الذي بدأ تصويره سنة 2006 بمدينة قرطاجة الإسبانية، بمشاركة ممثلين إسبان كانت بعيدة كل البعد عن السحر والتشويق الذي زرعه ماركيز في نص الرواية، وعجز المخرج مايكل نويل عن تحويله إلى مشاهد بصرية، تعكس حالة المفارقة في حياة الحب والعشق في زمن الكوليرا والحروب الأهلية الدامية. الفيلم يعرض قصة الحب الأول الذي عاشه فلورينتينو اريثا، مع فيرمينا اديثا، والتي تجددت بعد انتظار دام خمسين عاما، عاشت فيها فيرمينا اديثا شقاء وتعاسة كبيرة مع زوجها، وجوفينال اوربينو، الذي بمجرد وفاته تعود فيرمينا إلى زمن الحب الأول، وتنتهي الرحلة في السفينة التي كانت تمخر في ماء نهر ماغدالينا، عندما طلب من كابتن السفينة رفع الراية الصفراء التي ترفعها السفن للإخبار عن وباء الكوليرا كحيلة وحيدة تجنبهم العودة إلى اليابسة، حيث كانت معاناتهم الأولى. ويعرض الفيلم كيف أجبرت فيرمينا اديثا، من طرف والدها على الزواج من الطبيب جوفينال اوربينو، رغم قصة الحب العنيف الذي كانت تعيشه مع فلورينتينو اريثا، والتي تختصرها رسائل عشق ساحر، بينما بقي هو عالقا بذكرياتها وبرسائلها التي بقيت الشاهد الوحيد على هذا الحب، الذي يجسد كيف أن عاشقان في زمن الكوليرا تمكنا من العودة إلى الزمن الأول، بعد خمسين عاما، وقد عاش ربان السفينة مشاهد من هذا الحب الحقيقي، ولم يتردد في رفع العلم الأصفر محذرا من الاقتراب من هذه السفينة الموبوءة في هذا النهر، الذي هو في الواقع الزمن الأبدي وهو المكان المناسب لهذا الحب اللانهائي.